Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الراقصون الجدد

حفَلَ الأسبوع قبل الماضي بقضايا عديدة أخذت مساحة من الجَدَل بين بعض شرائح المجتمع خاصةً على شبكات التواصل الاجتماعي، وكان من أبرزها قضيتان: الأولى المتعلقة بفيديو للواعظ (علي المالكي) عرَّض فيه بالمرأ

A A
حفَلَ الأسبوع قبل الماضي بقضايا عديدة أخذت مساحة من الجَدَل بين بعض شرائح المجتمع خاصةً على شبكات التواصل الاجتماعي، وكان من أبرزها قضيتان: الأولى المتعلقة بفيديو للواعظ (علي المالكي) عرَّض فيه بالمرأة ووصَفها بأنها عارٌ على وليِّ أمرها، والأخرى المتعلقة بتسجيل منسوب للأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (خالد الجديع) شكَّك فيه في الإعجازَين (البياني والعلمي) للقرآن الكريم، وشكك في السيرة النبوية وبعض معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم. وكعادة أي قضية مثيرة للجدل فإنها تجد لها أنصارًا ومناوئين وهم مَن يمكن تسميتهم بــ (الراقصِين الجدد) الذين تجاوزوا الرقص الحسي إلى الرقص المعنوي على حبال الخلاف، ولو أننا نقَّبْنا في دواخلهم لما وجدنا رقصَ (أكثرِهم) أتى بدافع الانتصار للحق ودفع الباطل وبيان الصواب؛ وإنما لمآرب ذاتية ولحظوظ النفس التي تريد أن تكون لها الغلبة في كل صراع على حساب وعي الأتباع. المضحك في القضيتَين أن طرفَيها (المالكي وجديع) الأول اعتذر عن سوء الفهم الذي لازم عباراته عن المرأة، والآخر نفى أن يكون التسجيل له، ومع هذا لم يقتنع الراقصون ومضوا في تحقيق غاياتهم البعيدة، وواصلوا رصَّ الصفوفِ المؤيدة وحشْدَ أكبر عدد من الأصوات الموالية لهم. ومع اليقين أن بين الرأيين (رأي المالكي ورأي الجديع) من حيث (شناعة التعدِّي) بونًا شاسعًا؛ فالأول عرَّض بالمرأة والآخر عرَّض بالقرآن وإعجازه والمصطفى ومعجزاته إلا أن الحَلَقة الضائعة بين القضيتين هي مسألة (العدل والإنصاف) المأمور بها حتى مع الأعداء والكفار، وهي المسألة التي يتكرر تحييدها (بقصد وتعمُّد) مع كل قضية جدلية تظهر على الساحة الإعلامية المحلية أو الخارجية؛ إذ سرعان ما يتلقفها الراقصون ليوجدوا لها المبررات والتأويلات والمخارج إن أتت ممن ينتمي لفصيلهم، أو ليوجدوا لها المثالب والمعايب إن أتت من الفصيل الآخر المضاد لهم، وهو الأمر الذي عافه المجتمع بعد أن بانت النوايا وتكشَّف عوارها. في يقيني أن الوعي المجتمعي أوشك على تجاوز مثل هذه المعارك (الإعلامية) التي تجمَّل بعضها بلباس الشفقة والنصح، وبعضها تزيَّا بزي الفهم والتنوير، في حين أن الحقيقة تقول: إنَّ كِلا طرفَي الخصام يروم الانتصار على الطرف الآخر في معركةٍ خاسرةٍ ضحاياها هم الأتباع، ولذا فإن تسليم زمام الفكر لأيٍّ من الفريقَين الراقصَين هو شروعٌ فعليٌّ في جريمةِ تغييبٍ قسريٍّ للوعي والإدراك، وهو في الوقت نفسه تَبَعيَّةٌ عمياء أطلَّت برأسها منذ فترة ليست بالقريبة وقَع المجتمع -خاصة الشباب- ضحيةً لها وللتجاذباتِ الحادَّة بين الأهواء والمصالح الذاتية لهؤلاء الراقصِين. ولذا يُعلَم أن كثيرًا من الجَلَبة المُفتَعَلة حول هذه القضايا وما شاكلها لم يكن هدفها البحث عن العدل والإنصاف وإنما جَلْدُ الخصوم في ثوب الضحية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store