Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

النُّور والتَّنوير.. لمَ التضاد؟!

أضحى مُصطلَحَا (النُّور والتنوير) من المصطلحات المتضادة لدى فئتينِ في مجتمعاتنا الشرقية، فئةٍ ترى (النورَ) السبيلَ الأوحدَ المُفضيَ للرقيِّ والتقدم، وفئةٍ ترى (التنويرَ) السبيلَ الأوحدَ للخروج من ظلما

A A
أضحى مُصطلَحَا (النُّور والتنوير) من المصطلحات المتضادة لدى فئتينِ في مجتمعاتنا الشرقية، فئةٍ ترى (النورَ) السبيلَ الأوحدَ المُفضيَ للرقيِّ والتقدم، وفئةٍ ترى (التنويرَ) السبيلَ الأوحدَ للخروج من ظلمات الجهل إلى أنوار المعرفة. مصطلح النور ورد في القرآن الكريم تحت عدة معانٍ، منها أن المقصود به هو (القرآن الكريم) كقوله تعالى: «وأنزلنا إليكم نورًا مبينًا». ولذا فالغاية النهائية للقرآن هي عبادة الله وحده، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وبيان الصراطِ المستقيمِ المستوجبِ لسعادةِ الدنيا، المفضي إلى الجنة، ومع هذا فالقرآن لا يخلو من بعضِ الحقائق العلمية والآيات الكونية. أما مصطلح التنوير الذي يعرِّفه المفكر (هاشم صالح) في مقال له بـ»الشرق الأوسط» بأنه التحرر العقلي والفكري من ظلمات العصور الوسطى وهيمنة رجال الكنيسة فقد ظهر في القرن الثامن عشر، وهناك من يرده إلى منتصف القرن السابع عشر، ومنهم من يرده إلى القرن السادس عشر، ومنهم من يرده إلى اليونانيين؛ كون (طاليس) أول من أدخل المنهج العلمي للفلسفة، وذلك بحسب (مراد وهبة) في معجمه الفلسفي. ونحن حينما نتأمل حقيقة (النور والتنوير) فكأنها قُطبانِ يعملان على توازن سفينة الحياة؛ فالقرآن يزخر بكل ما يُعنى بالجوانب الروحية للإنسان، ويعمل على هدايته لسبيل الرشاد؛ ليعيش حياةً سعيدةً مطمئنة يقضيها في عبادة الله وبذل المعروف ونشر الخير والسلام. أما التنوير ففيه حثٌّ على التفكيرِ والتأمُّلِ والتساؤل، ودافعيةٌ لممارسةِ البحثِ والتجريبِ وتفكيكِ الظواهرِ الطبيعيةِ وتقويضِ بعضِ المسلماتِ والتقاليد (البشرية)، فهو بهذا يهتم بالجوانب المادية التي هي ضرورةٌ حياتية مندوبٌ إليها؛ كونها عمارةً للأرض. ما المشكلة إذن؟! المشكلة في أن (النوريِّين) لا يقبلون بالتنوير ويرونه شرًّا محضًا ولا فائدة تُرجى منه، وهذا الحُكم بنَوهُ على تقرير (التنويريِّين الشرقيين) للتنوير حينما جعلُوه ضدًّا للدِّين ومبادِئِه وقيَمِه، وصيَّروا (العقلَ) فوق كلِّ نصٍّ مقدسٍ محكم، في مقارَنةٍ جائرةٍ وإسقاطٍ لامنطقي على حيثيات قيام التنوير الأوروبي. النور والتنوير أرى العلاقة بينهما تكاملية لا تضادية، ولذا يذهب المفكر (أبو يعرب المرزوقي) في كتابه «وحدة الفكرَين الدِّيني والفلسفي» إلى أن الإيمان (الوحي) والإبداع (العقل) «لا يتعارضان إلا عند موتهما وانحطاطهما بفعل توظيفهما توظيفًا يحوِّلهما إلى مجرد أداة»، ويأتي هاشم صالح في المقال أعلاه فيرى أنه ينبغي أن نعود إلى تنويرٍ أكثرَ توازنًا وهو «الذي يجمع في وحدة واحدة بين نور العقل ونور الإيمان». ولذا فمطلوب من (النوريِّين) الإيمانُ بأن تفكيكَ الظواهرِ الطبيعيةِ، وإعمالَ الفكرِ، وإزاحةَ العوائقِ الوهميةِ، وتقصيَ المعرفةِ المادية هي من العبادة. ومطلوب من (التنويريِّين) الإيمانُ بأن نصوصَ الوحيِ المقدسِ، وهديَ الأنبياءِ والرسلِ ليست عوائقَ في طريق النهضة التي يمكن بلوغُها دونَ محاولةِ نقضٍ أو إزاحةٍ للثوابتِ المقدسة.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store