Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

عيد قريتنا والماركة المسجلة

دعونا اليومَ -بعيدًا عن متاهات السياسة، وجدليات الفكر والثقافة، وقضايا العنف والإرهاب، وإشكاليات المشاريع الوزارية المتعثرة- نعِشْ فرحةَ عيدِ الفطرِ السعيد الذي يأتي ومعه نسترجع ذكرى أعياد الأمس بتفاص

A A
دعونا اليومَ -بعيدًا عن متاهات السياسة، وجدليات الفكر والثقافة، وقضايا العنف والإرهاب، وإشكاليات المشاريع الوزارية المتعثرة- نعِشْ فرحةَ عيدِ الفطرِ السعيد الذي يأتي ومعه نسترجع ذكرى أعياد الأمس بتفاصيلها الجميلة حينما كان سكان قريتنا الهادئة -التي لم تخالطها بعد أصواتُ السياراتِ والمكيفاتِ- يتحرَّون دويَّ بندقية العم محمد بن ضيف الله رحمه الله معلنة (الشهادة) بوصفه وحيد القرية الذي يملك مذياعًا. بالطبع تتمطَّى ليلة العيد علينا -نحن الصغار- بكلكلها وتمرُّ بطيئةً جدًّا، وقبل أن يشقَّ صوتُ ديكِ الصبحِ سكونَ ليلِ القريةِ تجدنا نتململ في أَسِرَّتنا في انتظار استنفار الوالدين لنا، عندها نتقافز لنلبس ملابس العيد، ثم نمضي والكبارُ -راجلِين- صوبَ المصلَّى المتوسط البُعد، وفي الطريق للمصلى يتراءى صبيان القرية كفراشات بِيض تتطاير بكل براءة على سَدَف الصباح، ثم يعرِّج البعض منا على زير العم محمد بن ضيف الله -صاحب الشهادة- المنصوب على قارعة الطريق ليتروَّوا منه. في المصلى الذي يتوسط بطحاء ناعمة شكَّلَتْها سيول شَعيب صغير، وظلَّلتها أفياءُ سدرٍ وريق يطرب الصغار لتكبيرات الكبار وهم يرددون في تناغمٍ جميلٍ وأدوارٍ متبادَلةٍ «الله أكبر الله أكبر... ولله الحمد»، في الوقت نفسه ترى العيونَ جميعَها شاخصةً صوب الطريق التي يطلع منها المطوع اليمني (محمد بن حسين الريمي) رحمه الله متأبطًا خَتْمَةً (كتابًا) لربما هو «الحكمة البالغة». لكن تظل اللحظة المثيرة الحاسمة التي يترقبها الجميع هي لحظة فراغ المطوع من خطبته، عندها يتنافس الكبار ليحظى كل واحد منهم بالسَبْقِ وشرفِ حصدِ المركز الأول في السلام على المطوع ربما لينال كرامة ما، وفي كل مرة يكون العم محمد بن ضيف الله نفسه هو السبَّاق. بعد الفراغ من السلام يعود الجميع للقرية -مرورًا بالزير نفسه- ويدخلونها من أعلاها (الشَّمال) ليدلفوا إلى سُور (قلعة) آل بن معيض التي تتداخل مع نهاية جبل تتدلى صخوره الشماء على القلعة بشكل مخيف، ويعلو الصخورَ حصنٌ تهدمت أركانه. وتحتَ عِلِّيَّة (سقيفة) القلعة تُبسط موائد العيد التي يغلب عليها (العَيْش) وهو المصنوع من حبوب الدخن والذرة. وبوصفنا صغارًا فإن المائدة التي كانت تجذبنا في كل عيد هي مائدة العم محمد بن ضيف الله نفسه؛ كونها الوحيدة من (الرُّز) الذي كان من النادر حضوره في موائد العيد، وكذلك تجذبنا مائدة العم (حسن بن محمد) رحمه الله؛ كونها وحدها تأتي مصحوبة بالعسل. ثم نمضي على أغلب بيوت القرية حتى نصل أسفلها (جنوبها) وتحديدًا إلى سور (قلعة) آل محسن التي تتكئ على تلة مجاورة، وهناك يستقبلنا الوالد والأعمام رحمهم الله، وتُبسط موائد العيد لكنها تفتقد لرز العم محمد وعسل العم حسن. وهكذا يمضي يوم العيد ونحن في فرح ومرح، وتظل (أولويات عيد قريتنا) ماركة مسجلة باسم العم محمد بن ضيف الله.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store