Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

تركيا.. الشعب يريد الحياة

حدثٌ أشبه ما يكون بومضة خاطفة، أو فيلم سينمائي قصير توالت أحداثه بشكل سريع ومتلاحق، لينتهي سريعًا معلنًا انتصار قيم الخير والعدل على قوى الشر والظلم والظلام.

A A
حدثٌ أشبه ما يكون بومضة خاطفة، أو فيلم سينمائي قصير توالت أحداثه بشكل سريع ومتلاحق، لينتهي سريعًا معلنًا انتصار قيم الخير والعدل على قوى الشر والظلم والظلام. ما حصل مساء الجمعة الماضية في تركيا جعل العالَم يعيش لحظاتٍ من الترقُّب حيال ما ستسفر عنه العملية الانقلابية الفاشلة التي قادتها ثلةٌ إرهابيةٌ متمردةٌ من العسكر ضد الحكومة المدنية الشرعية المنتخَبة. الحدث جلل، وهو ما أعطاه كل هذا الاهتمام والرصد والمتابعة على المستويين الرسمي والشعبي، علمًا أن الانقلاب على الحكومات التي تمارَس فيها العملية الانتخابية -بغض النظر عن نزاهتها- أمر وارد، والانقلابات بدورها تتنوع ما بين مدنية وعسكرية، غير أن العسكرية تظل هي الأكثر جُرمًا ودموية ولاإنسانية. الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا خلَّف وراءه حزمة من الدروس والعبر، وجعل المتابعِين ينقسمون تجاهه بين مؤيدِين وهم أقلية، ومعارضين وهم الأكثرية الساحقة. فالمؤيدون جاء تأييد بعضهم غيظًا من التجربة التركية (الناجحة) عندما رأوها تتقدم في عملية الإصلاح وتحطم الأرقام في الاقتصاد والتنمية، وتنقل تركيا لمراكز متقدمة في المجالات كافة، وجاء تأييد البعض الآخر كون الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) اختطَّ نهجًا إسلاميًّا معتدلاً جعل تركيا تحلُّ شيئًا فشيئًا الخناق العلماني المضروب عليها لعقود، وتفسح بتدرج المجالَ لتعاليم الإسلام بوسطيته وسماحته. أما المعارضون للانقلاب العسكري الفاشل فهم بين فئة نظرت لتركيا من خلال حزبها الحاكم فقط، وأخرى نظرت لتركيا من خلال شعبها ومقوماتها ومكانتها ودورها المحوري في المنطقة، وفي المحصلة اتفقت الفئتان على رفض وتجريم الانقلاب العسكري الفاشل. ما يعنينا في هذا الحدث هو الإنسان التركي (الواعي) الذي ضرب مثالاً فريدًا في التضحية لضمان بقاء واستمرارية (الحرية والتنمية والاستقرار) لبلاده؛ فقد عاش ما يزيد على عقد من الزمان شاهد فيه تركيا تتقدم بخطوات سريعة في جوانب التنمية، شاهد الاقتصاد التركي ينمو ويزدهر حتى أصبح من أقوى اقتصادات العالم، شاهد أرقام البطالة تتدنى والدخل المعيشي يزداد، شاهد الصادرات التركية تتعاظم. وعليه فلا نستغرب استجابة الأتراك لرئيسهم (أردوغان) على اختلاف توجهاتهم - ومنهم الأحزاب المعارِضة- ونزولهم للشارع ليتصدوا لدبابات الانقلابيين العسكريين ويجبروهم على الاستسلام لتعود الأمور إلى نصابها وتستمر مسيرة التنمية المتعاظمة في تركيا. ويبقى السر في استجابة الأتراك لرئيسهم ووقوفهم بوجه الانقلابيين العسكريين كامنًا في أن حكومتهم لم تأتِ على ظهر دبابة، وإنما عن طريق الصندوق الأمين وبانتخابات نزيهة، وأنها أوفت بجلِّ وعودها لهم، وجعلتهم يعيشون المعنى الجميل للحياة فأحبوا الحياة وذاقوا - بعد مسغبة- حلاوتها مع حكومتهم المدنية الشرعية، ولذا ضحوا بأرواحهم وهم يتصدون للانقلابيين العسكريين لتستمر الحياة التي أحبوها. وهذا يبرهن على أن الشعوب تظل الرهان الأول للحكومات، وهو ما أكَّدتُ عليه قبل فترة في مقالي «الرهان على الشعوب».
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store