Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

حافظٌ ينهر ابنه عن قراءة القرآن..!

«محبوب» شابٌّ عربيٌّ، كان يعيش حياة طبيعيَّة، تعدَّى فيها مرحلة المراهقة بقليل، قبل ظهور لعبة «البوكيمون»، يحفظ القرآن الكريم، ويلعب مع أصحابه، ويناقشهم في كلِّ المباحات، مع قليل من العبث والسهر، كطبي

A A
«محبوب» شابٌّ عربيٌّ، كان يعيش حياة طبيعيَّة، تعدَّى فيها مرحلة المراهقة بقليل، قبل ظهور لعبة «البوكيمون»، يحفظ القرآن الكريم، ويلعب مع أصحابه، ويناقشهم في كلِّ المباحات، مع قليل من العبث والسهر، كطبيعة شابٍّ فطريَّةٍ وإنسانيَّةٍ في الخروج عن المألوف.
وفجأةً يقرِّر «محبوب» الانصراف بالكليَّة على مراجعة ما يحفظ من القرآن، وأن يُكثِرَ ويزيدَ من ورده اليومي بصورة غير معتادة -وهو أمرٌ مرحَّبٌ به عادةً في كلِّ أسرةٍ محافظة- ولم يجد مَن يمانعه.. إلى أن (اعتزل) أقرانَه، وأهلَ بيتهِ، وصار إلى وِحدةٍ غريبة!
تنبَّه والدُه (الفَطِن)، وهو أيضًا من حُفَّاظ كتاب الله، يقيم في هذه البلاد، وينوء بحمل مسؤوليَّات البيت، وتدبير مصاريف لقمة العيش الصعبة.. والدهُ بدويٌّ في الأصل، ذو فراسة وطبعٍ حادٍّ.. تنبَّه إلى سلوك ابنه، وصراعه مع الحياة ومجتمعه، الذي قرَّر فجأةً اعتزاله؛ زاعمًا سلوك طريق الهداية بـ(القرآن)، منصرفًا عن توقّعات والده فيه، المتمحورة في مساندته في حمل البيت ومسؤوليَّاته.. ليظلَّ في صراعٍ بينه وبين ضلال زملائه (الطبيعيين)، كما يزعم هو تجاه ضلالهم!
سارع الوالد دون حوارٍ، ولا نقاش كعادة الغالبيَّة من المربّين من محيط الشابِّ وبيئته، إلى زجر ابنه عن قراءة القرآن كليَّةً، وعنَّفَهُ وضرَبَهُ ضربًا مُبرِحًا، آمرًا إيَّاه بالخروج من المنزل، والانصراف إلى حياة أقرانه الطبيعيَّة، وتوعَّده إن رآه ممسكًا بمُصحفٍ بعد اليوم، طالما أنَّ هذا حاله ومسلكه!
القصة الصادمة يرويها «محبوب» نفسه، بعد سنين من الحادثة، ويحكي عن كيفيَّة انتشال والده «العاقل» -بحسب وصفه- له من براثن فكرٍ بدأ بعتاب النفس على طبيعتها البشريَّة، وتفسيقه لنفسه، وللآخرين، وانتهى بقطيعة الأهل، واستُؤصِل قبل أن يُختَم بتفجير الآخرين، أو تفجير النفس وكبتها.
ولو ما أردنا الإمعان في القصَّة دون اجتزائها، فقد عرف والدُ «محبوب» أنَّ هذا القرآن الذي يتظاهر به ابنُه غيرُ القرآن الذي عرفه هو ومجايلوه من أصحاب القلوب والفطرة السليمة بصدقٍ، وحفظَهُ عن ظهر قلب، فالقرآنُ هادٍ ولا يدعو لقطيعة رحم. وما يرى أنَّ ابنه يسلكه من طريقٍ هو غير ما تربَّى هو عليه من والده -جدِّ محبوب- من حفظ لكتاب الله أيضًا، والعمل به من صلةٍ للأرحام، وإسعاف المساكين، لا بالتبتّل الوهميّ، وغزو الأفكار السلبيَّة، وتغيُّر السلوك المفاجئ نحو المجهول.
العزلةُ غير المفهومة، والصراعُ مع المجتمع دون رؤية واضحة.. هي مؤشِّراتٌ لمستقبل مجهول، حتَّى لو كانت من رجلٍ هو حمامة المسجد، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، لكنَّه يتعالى على الناس بفعله، ويراهم أقزم منه! ولنا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجماعة التي قرَّرت ألاَّ تصوم، ولا تقرب النساء، وأكْثَرَت من القيام، أسوةٌ حسنةٌ.
أمَّا التصرُّف الذي فعله والد «محبوب» مع ابنه -وهو تصرُّفٌ على غير ظاهره، كما أنَّ انصراف «محبوب» نحوَ القرآن هو أيضًا على انصرافٌ على غير ظاهره- فلستُ معه، وتقدير نتائجه الإيجابيَّة والسلبيَّة هو مجال بحثٍ للتربويين لدراسته، ولا تكفيه مساحة المقال.
وأمَّا «محبوب» -فهو اليوم إنسانٌ سويُّ يُفطِر مع الجماعة- ويصلِّي، ويتزوج، ويعيش حياة طبيعيَّة سعيدة، ورجع للقرآنِ العظيم دون انقطاع عن الناس، ودون وسوسةٍ.. القرآن الذي يعرفُه والدُه وجدُّه أكثر منه، وما فعلوا ما فعله في الصغر.. ولو رآه والدُه لما أنكر عليه اليوم!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store