Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

صحوة !

تأتي مفردة (صحوة) لتعيدنا للمربع الأول حينما كان التناوش على أشده بين المحافظِين (جيل الصحوة) من جهة، والمثقفِين (جيل الحداثة) من جهة أخرى.

A A
تأتي مفردة (صحوة) لتعيدنا للمربع الأول حينما كان التناوش على أشده بين المحافظِين (جيل الصحوة) من جهة، والمثقفِين (جيل الحداثة) من جهة أخرى. الصحوة في المعاجم اللغوية تشير إلى الشعور والإدراك، وهي في المصطلح الذي كان سائداً لدينا في المفهوم الجمعي عند بداية ظهورها، كانت تعني التزام التعاليم الإسلامية والتقيد بها، والاستمساك بالهدي النبوي وخاصة من قِبَل الشباب.
ومنذ عقدين ومع نشوء ظاهرة الإرهاب تلقفته الدوائر السياسية الغربية لتبحث له عن مُسبِّب، فاشتقت له مسمى (التطرف)، ومن ثَمَّ بحثت له عن أبٍ تنسبه إليه فكان الإسلام -دون غيره- هو الأب الحاضن للتطرف. وعلى إثر ذلك التسلسل (السَّبَبي النَّسَبي) انبرت الأقلام والألسن -في هجمات منسقة- لتجعل من الإسلام وحده شماعةً لكل عمل إرهابي وكل عنف وإقصاء ونبذ، وتجعل من ينتسبون إليه في مرمى التهمة دون تروٍّ وبصيرة، لا لشيء إلا من أجل ركوب الموجة، وأحيانًا لتحقيق رغبات دفينة. وظل الاندفاع على أشده طوال الفترة المنصرمة حتى الآونة الأخيرة حينما بدأت تتكشف بعض أوراق الإرهاب وتتضح أسبابه الحقيقية وتتجلى أغراضه الكامنة وتتنوع انتماءات منفذيه وأماكن تنفيذه؛ حيث بدأت تظهر نغمة الإقرار بأن الإرهاب لا يختص بدِين أو مذهب أو تيار أو حزب أو دولة، وإنما يوجد وينمو ويزدهر في أي بيئة تتواجد فيها أسبابه التي تتنوع ما بين (دينية، سياسية، اقتصادية، مظالم..إلخ). من هنا تشكَّل لدى المعنيين بأمر الإرهاب والكُتَّاب خاصة ما يمكن أن نسميه (صحوة) فبدأوا يسلطون الضوء على الأسباب الحقيقية للإرهاب وفق قراءة واعية ومنصفة، وبدأوا يفكِّكون شيئًا فشيئًا لازمةَ ربطِ الإرهاب بالدين والتديُّن، ومن هؤلاء: عبدالله الناصر في (هل نحن من يصدِّر الإرهاب؟!)، وعبداللطيف الضويحي في (الإرهاب.. كائن أم كيان؟) وتوفيق السيف في (الإرهاب كظاهرة مركبة) وعلي صديق الحكمي في (طرائق داعش في إقناع الشباب الوديع بأفكاره الوحشية..) وياسر الغسلان في (علم النفس في خدمة الإرهاب) وغيرهم من الكُتاب الذين بدأوا يتجاوزون بوعيٍ النظريةَ الغربية (القَصْدية) التي أُريد لها أن تُرسَّخ في الأذهان، وتُجيِّر سببية الإرهاب للدِّين الإسلامي والتديُّن دون سواهما. وحينما تأتي الشهادة من الجانب الآخر (الغرب) فإنها تكون أشد وقعًا وتفكيكًا لتلك النظرية؛ ففي كتابهما (الإسلاميون ومركز راند-قراءة في مشاريع الاعتدال الأمريكي) يذكر بلال التليدي وعادل الموساوي أن غير واحدة من الدراسات السوسيولوجية الغربية انتهت إلى أن التطرف ليس مشكلة دينية؛ وإنما هو مشكل معقد، له واجهة سياسية، وواجهة تنموية، وواجهة دينية. وبالمحصلة، فلا يمكن تبرئة بعض من ينتسب للإسلام من فعل الإرهاب، لكن من الإنصافِ والموضوعيةِ واحترامِ العقولِ -التي أصبحت على قدر من الوعي- أن يتم تناول مسببات الإرهاب بشمولية وحيادية، وتلك صحوة أراها ابتدأت وابتدأ معها قلق الميكافيليين.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store