Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الملياردير وغواية القراءة

ظلَّت مفردة القراءة حصرًا على نخبة معينة بينها وبين القراءة تلازم وثيق منذ أن تعرَّف الإنسان على الكلمة واشتغل على فكِّ حروفها.

A A
ظلَّت مفردة القراءة حصرًا على نخبة معينة بينها وبين القراءة تلازم وثيق منذ أن تعرَّف الإنسان على الكلمة واشتغل على فكِّ حروفها. هذه النخبة هي ما تسمى بـ(الأدباء والمثقفِين) الذين اشتغلوا بالوجع القرائي وجعلوه همًّا لهم. القراءة فعل نبيل يهدف لتشكيل الوعي والفكر وتحسين المَلَكَات والرقي بالذائقة، والقراءة بهذا المفهوم تغدو مطلبًا ضروريًّا تحرص عليه الدول المتقدمة، وتسعى لجعله وسيلة مثالية لبلوغ غاياتها العظمى في الهيمنة العلمية والثقافية والعسكرية. القراءة لم تعد مجرد (قراءة متعة) بل تخطت ذلك لتصبح قراءة واعية تهتم بالنقد والمقارنة والتحليل للمقروء، وهذه المرحلة المتقدمة من القراءة تُثقِل على القارئ العادي، ولهذا نرى غالبية القرَّاء يعمدون لقراءة الكتب المبسَّطة ذات اللغة السهلة، ولذا يأتي الدكتور صلاح الدين يونس في كتابه (جدلية الفكري والأدبي..) ليُرجِع سببية ذلك إلى أن هذه النوعية من الكتب «لاقت صدىً لدى عقليَّتَين: الأولى- عقلية الرضا، أي التسليم بما هو حاصل، الثانية- العقلية الرافضة لفلسفات العصر وعلومه مما يجعل القراءة ممتعة سهلة لدى جيلٍ شابٍّ لم يألف القراءة الإشكالية». وعلى هذه القضية تنبني قضية أخرى، وهي أن البعض أخذ من (هَوَسِهِ) بوسائط التواصل الاجتماعي ومحرك البحث (قوقل) دليلاً صارخًا على همِّه القرائي، وأنه أصبح في زمرة النخبة القارئة. حول هذه القراءة يقول الدكتور عبدالله الغذامي في إحدى تغريداته إنها «مثل وجبات السندويتش، هي للمستعجل وعابر السبيل فقط، العلم في الكتب وليس في الوجبات السريعة». وبالعودة للمقدمة أعلاه، فإنَّ ما ترسَّخ لدينا هو أن ممارسة فعل القراءة اختصت به شريحة (نخبة) من المجتمع عُنيت بالأدب والثقافة دون غيرها من الشرائح الأخرى، ويزداد اليقين لدينا أن شريحة من (الشرائح الأخرى) هي دون غيرها الأبعد عن القراءة؛ نظرًا لانشغالاتها المرتبطة بنوعية النشاط الذي تمارسه، وأعني بها الشريحة التي تملك الأموال الطائلة أو ما تسمى بـ(المليارديرات). غير أن مجلة (الرافد) الثقافية التي تصدرها دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة -عدد يوليو الماضي- فاجأتنا بأن أهم ما يميز الملياردير الشهير (بيل جيتس) «حبه الشديد للقراءة والكتاب منذ طفولته، وحتى هذه اللحظة من حياته، بل إنه جعل من هذا الحب مشروعًا موازيًا لمشاريعه الأخرى». وتؤكد المجلة أن القراءة أصبحت إحدى عادات جيتس التي لا يحيد عنها؛ فهو يقرأ بمعدل كتاب على الأقل كل أسبوع، ولا يكتفي بالقراءة السلبية، بل يسجل ملاحظاته على كل كتاب يقرؤه، وأن قراءاته متنوعة في البرمجيات والفيزياء والرياضيات والسياسة والتاريخ والأدب والإبداع والخيال العلمي. وتختم المجلة بالقول: «مهما كانت وظيفتك أو عملك فإنك تستطيع أن تجد وقتًا للقراءة». لعل (جيتس) بهذا غيَّر كثيرًا من القناعات؛ فنرى جيلاً نَهِمًا قرائيًّا، وخاصةً بالقراءات الإشكالية المحرضة على التساؤل والتفكير.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store