Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

السُّلطة ضالة المثقف

يكثر التنازُع -بامتداد العالَم- على السُّلطات بأنواعها، وعلى الأخص السُّلطة السياسية؛ كونها (ممنوعة مرغوبة)، ولذا نراها أضحت هدفًا لطالبِيها -وإن تخفَّوا في ثياب الزهد أو الوعي- الذين يودون لو يمسكون

A A
يكثر التنازُع -بامتداد العالَم- على السُّلطات بأنواعها، وعلى الأخص السُّلطة السياسية؛ كونها (ممنوعة مرغوبة)، ولذا نراها أضحت هدفًا لطالبِيها -وإن تخفَّوا في ثياب الزهد أو الوعي- الذين يودون لو يمسكون بزمامها ولو دفعوا مهرَها جماجمَ المريدِين والأتباع، أو تنازلوا في سبيلها عن الدِّين والمسلَّمات. ما درجت عليه المجتمعات وأَلِفَته -نتيجةَ الضخِّ الإعلامي الأحادي الموجَّه- هو أن (السُّلْطة السياسية) لا يتنازعها مع الساسة إلا فئةُ الإسلاميين وحدهم، وهُم مَن أُطلِق على منهجهم مصطلح (الإسلام السياسي). لن نعدو الحقيقة حينما نقول إن الإسلاميين (الحزبيِّين) في كل مكان جعلوا الوصولَ للسُّلطة غايةَ قصدهم، واتخذوا من المواجهة المسلَّحة وغير المسلَّحة وسيلةً لبلوغ مراميهم، لكن ما يتم التغافل عنه بصورة قصدية هو أن فئات أخرى لديها النزعة ذاتها التي لدى الإسلاميين مع تفاوت الوسائل، ومن تلك الفئات المثقفون بتياراتهم (الليبرالية، والعلمانية، والقومية...إلخ) الذين استطاعوا بجَلَبَتِهم تضليلَ الرأي العام وإيهامه بأنهم بُرآءُ من شهوة السياسة، وأنهم يعيشون للكلمة والفكر وليس سواهما، وأنهم لا تعنيهم السياسة في شيء. والواقع أن المثقفِين لم يضطرُّوا لترك المواجهة المباشرة مع السُّلطات السياسية، ولم يجنحوا للسلم الظاهري، إلا لكونهم ضعيفِي التأثير، ولذا وقفوا على ربوة الكلمة وأخذوا وضع الاستعداد لمراقبة الموقف واقتناص الفرصة متى سنحت. نتيجةَ ما سبق فقد يبدو غير مستساغٍ القول إن بعض المثقفِين لديهم ما لدى الإسلاميين الحزبيين من التطلع للسُّلطة، غير أنَّ لنا في قدواتهم من مثقفِي وتنويريي أوروبا مثلاً جليًّا، فهم الذين خرجوا على رؤسائهم، وهم الذين وقفوا مع نازية هتلر واستبداده، بل نجد سلفَهم الانتهازيَّ الشاعرَ المثقف (المتنبي) ذا نزعة جادة للسُّلطة، وعندما لم ينلها هجا كافورًا الإخشيدي، ومنهم -بحسب المفكرِ السياسيِّ (ريناس بنافي) في مقاله بموقع (waar media)- الروائيُّ الكاتبُ المسرحيُّ فاتسلاف هافيل الذي تزعَّم الثورةَ المخمليةَ في تشيكوسلوفاكيا سابقًا لإسقاط النظام الشيوعي عام (1989م)، ويورد ريناسُ أيضًا الشاعرَ ليبولد سنغور الذي حكم السنغال لعقدين، والشاعرَ مايكل هيغينز الذي رأس إيرلندا عام (2011م). ويؤكد إدوارد سعيد في كتابه (المثقف والسلطة) أن المثقف «يتحول بمرور الزمن إلى العالَم السياسي؛ لأنه عالَم يستمد روحه من اعتبارات السُّلطة والمصلحة التي تتميز بقدرتها على تسيير دفة مجتمع كامل أو أمة». وعليه فمقولة المثقفِين عن أنفسهم أنهم زهَّاد في السُّلطة تدحضُها الحقائقُ السابقة ويؤكدها صراعُهم المستميت على تسنُّم المؤسسات الثقافية، وهو صراع يشي بمدى شغفهم بالسُّلطة الأكبر (السياسية)، ولذا رأينا كيف أنَّ مِن بين المثقفِين العرب -بعد الربيع العربي- مَن سارع بتسنُّم السُّلطة كالمنصف المرزوقي، ومنهم من ينتظرها كبرهان غليون، ومنهم من انحاز إلى السلطات المستبِدَّة في دول الربيع، لا حبًّا فيها؛ ولكن توجُّسًا من تمكُّن خصومهم، وطمعًا في بعض المكاسب السُّلطوية، نابذِين بذلك القِيَم الثقافية.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store