Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الباكستاني.. ناقدًا!

يعيش الخُطباء (خُطباء الجُمَع) حالةَ قلقٍ دائم من المتلقِّي الذي لا يفتأ يستخدم النقد تلو النقد تجاهَ الخطيب والخُطبة معًا؛ فإن راق له مضمون الخطبة فإن أداء الخطيب قد لا يروق له، وقد يَصبُّ سيلاً من ا

A A
يعيش الخُطباء (خُطباء الجُمَع) حالةَ قلقٍ دائم من المتلقِّي الذي لا يفتأ يستخدم النقد تلو النقد تجاهَ الخطيب والخُطبة معًا؛ فإن راق له مضمون الخطبة فإن أداء الخطيب قد لا يروق له، وقد يَصبُّ سيلاً من النقد بحق الخطيب سواء على نبرة صوته، أو على ضعف تمثُّله للمعنى، أو على عدم استخدامه الإيماءات وتقاسيم الوجه. وإن أجاد الخطيب وتجاوز المطالب السابقة فقد يذهب النقد لمضمون خُطبته الذي قد لا يكون متساوقًا مع الأحداث، أو قد تكون صياغة الخطبة ركيكة، أو قد تركز على جانب الوعيد تاركةً الوعد، أو قد تستمسك بالأحكام الفقهية الجامدة غير آبهةٍ بمستجدات العصر، أو قد تركز على سببية المواطن في تغول الفساد وتعطُّل المشاريع متجاهلةً غيره، أو قد تكون الخطبة طويلة، أو قد يَكثر خروج الخطيب عن مضمون الخطبة المكتوبة في وريقات معدودة بين يديه فيتضاعف زمنها. ومهما يكن فسيظل الخطيب وخُطبته موضع جدل ونقاش، ولن يتفق المتلقُّون على حالٍ مثالية يمكن أن يتمثلها الخطباء؛ ولذا سيبقى الجدل دائرًا، وستبقى حالة عدم الرضا قائمة. غير أن هناك قواطعَ ومشتركاتٍ -مُقَرَّة سلفًا- يمكن أن يلتقي عندها الخطيب والمتلقي، ومنها: قِصَر الخُطبة، وتنوع مضمونها من جمعة لأخرى، والسلامة اللُّغوية، ومسايرة الخطبة للأحداث - وفي هذه النقطة يقع الخطباء ضحية ازدواجية رأي المتلقِّي؛ فإن تطرق الخطباء للأحداث الآنية قيل عنهم إنهم يَدخلون في المحذور ويثيرون الفتنة، وإن بقوا في فلك الأحكام الفقهية والجنة والنار قيل عنهم إنهم جامدون- ومنها تفاعل الخطيب مع مضامين خُطبته. الأسبوع الماضي صليتُ الجمعةَ في أحد مساجد أبها، وقد أجاد الخطيب -الذي كان يلبس عقالاً- في خطبته (مضمونًا وإلقاءً)، ويحسب له أنه (لم يتأخر) في صعود المنبر انتظارًا لتكاثر الحشود بل صعد قبل أذان الظهر (بثوانٍ معدودة)، وهذا ما يتهاون فيه بعض الخطباء، ولم يستغرق في الخطبة الأولى إلا قرابة (٦) دقائق لا تزيد، وفي الثانية مع الدعاء قرابة (٤) دقائق لا تزيد، ولم يخرج عن محتوى الوريقات التي معه، ثم صلى بنا وقرأ من قصار السور. بعد السلام وقف شخص (باكستاني) بين الصفوف وبدأ يوجه للإمام نقدًا حادًّا خليطًا بين الأوردية والعربية، وقد أطال في ذلك حتى نهره المصلون، وعندما سألت مَن بجانبي عن مضمون كلام الباكستاني قال: إنه غاضب من (تقصير) الخطيب للخطبة والصلاة! وهنا نصل لنقطتين حرجتين كنا نخشاهما: الأولى- أن شهوة الإطالة في الخطبة -على مخالفتها للهدي النبوي- أصبحت عند غالبية الخُطباء في حُكم الواجب. الثانية- أن مسألة الإطالة لم تعد في حكم الواجب عند المتلقِّين ممَّن يتكلم ويفقه اللغة العربية فحسب، بل تخطتهم للأعاجم أيضًا؛ فأصبح الجميع -عربًا وعَجَمًا- يرون الإطالةَ شرطًا من شروط صحة خُطبة الجمعة!
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store