Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

مَن لا يعي الماضي لا يفقه الآتي

لا بدَّ لعاشق التاريخ ومسيرة الحضارة من العودة لتاريخ حضارة الشعوب التي استوطنت منذ الأزل جزيرة العرب وبلاد الرافدين والشام وشمالهما حتَّى البحر الأسود وبلدان وادي النيل وشمال إفريقيا، مفصل القارَّ

A A

لا بدَّ لعاشق التاريخ ومسيرة الحضارة من العودة لتاريخ حضارة الشعوب التي استوطنت منذ الأزل جزيرة العرب وبلاد الرافدين والشام وشمالهما حتَّى البحر الأسود وبلدان وادي النيل وشمال إفريقيا، مفصل القارَّات الثلاث؛ آسيا وإفريقيا وأوروبا، لتقييم ما يجري حاليًّا في تلك البلدان من أحداثٍ وتكتُّلات بين الغزاة الطامعين في خيرات هذه المنطقة الحيويَّة من العالم وثرواتها.
بهذه المقدِّمة، بدأ الحديث صديق سويسري متابعًا لأحداث بلداننا العربيَّة، وما جرى ويجري فيها من فتنٍ واقتتال وقتل وتدمير وتهجير بتخطيط من القوَّتين العظميين؛ روسيا وأمريكا وإشرافهما بعد عداء بينهما استمرَّ عقودًا عديدة من الزمن بحرب ساخنة مكشوفة إلى حرب باردة، انتهت مؤخَّرًا بما يشبه اتفاقًا على طيِّ خريطة الشرق الأوسط التي أخرجها وزيرا خارجيَّة بريطانيا العظمى وفرنسا المعروفة باسميهما «سايكس بيكو»، ورسم خريطة حديثة تراعي مصلحة القطبين الجبَّارين. ولإنجاز هذه الغاية وفرض الأمر الواقع على الشعوب العربيَّة كان من الضرورة إعادة توزيع المنطقة على أسس طائفيَّة، لتُعمِّق الخلاف المذهبي وتلغي الاعتبارات القوميَّة، لتحول دون عودة العروبة متسلِّحة بالإسلام الحنيف، الذي جمع سكَّان المنطقة على أسس وحدة التراب واللسان، مع تعدُّد الديانات والفرق المذهبيَّة والعرقيَّة.
ما يثير استغراب الصديق السويسري سرعة اتِّفاق القطبين الجبَّارين؛ عدوَّا الأمس وشريكا اليوم في الرؤية والهدف! وبرجوع الصديق إلى تاريخ شعوب المنطقة، وما كان فيه من صدامات دامية مع الاتِّحاد السوفييتي؛ (روسيا) في الشرق، ومع الغرب ممثَّلًا بالولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، يقوده إلى الاعتقاد بأنِّ استعادة القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس بعد احتلال الصليبيِّين الأوربيِّين لسواحل بلاد الشام ومصر، ووضع يدهم على بيت المقدس لمدَّة قرن من الزمن، قد أفقد الكرسي البابوي قدرته على تحريك ملوك أوروبا كما لو كان يلعب الشطرنج! وأن سقوط القسطنطينيَّة في أيدي المسلمين وما أعقبها من انتشار الإسلام في شرق أوروبا قد أفقد الكنيسة الشرقيَّة زعامتها للعالم المسيحي! وهذا ما جاهر به علانيةً جورج بوش الابن؛ الرئيس الأسبق للولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بعد ساعات قليلة من تفجير برجي التجارة العالميَّة في نيويورك من أنَّه مقدّمة لحرب صليبيَّة!
ولمواصلة تلك الحرب التي كانت فاتحتها تدمير أفغانستان وبعدها العراق واليوم سورية، والآتي أدهى وأشرَّ. وها هما القطبان الجبَّاران قد اعتمدا في خطَّتهما رسم حدود طائفيَّة بديلة من حدود رابط العروبة والإسلام التي جمعت أمَّة العرب مع الحدود السياسيَّة لكلِّ دولة من دولها، حتَّى لا تقوم لأمَّة العرب قائمة بعد اليوم. ومع أنّ بعض الشرِّ أهون من بعضه، لا شكَّ أنَّ من لا يعي تاريخه ليس بقادرٍ على استيعاب مستقبله. فمهما طال سبات أمَّةٍ، يقظتها ولو كانت متأخَّرةً خيرٌ من رقدة العدمِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store