Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

وإلا.. فلنتجاهل السؤال!

«لَا يُغَيِّرُ اللهُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم».. مع وضوح هذه الآية، شاء الخالق العظيم هداية البشر.

A A
«لَا يُغَيِّرُ اللهُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم».. مع وضوح هذه الآية، شاء الخالق العظيم هداية البشر. لكن يبدو أنَّ أغلبنا مازال على الغلوّ في إصدار الأحكام على سلوك الآخرين وطريقة تسييرهم لأمور دنياهم، ومن يتفكَّر في واقعنا يحسبنا ما نزال كتلك الحسناء الإسبانيَّة التي التقاها الشاعر عمر أبوريشة على متن الطائرة وهو في طريقه إلى دولة التشيلي. وقد لخَّص الحديث الذي دار بينهما شعرًا، وكان منه هذه الأبيات التي توجز ما أودُّ قوله:
قُلْتُ يَا حَسْنَاءُ مَنْ أَنْتِ؟ وَمِنْ
أَيِّ دَوْحٍ أَفْرَعَ الغُصْنُ وَطَالَا
فَرنَت شَامِخَةً أَحْسَبُهَا
فَوْقَ أَنْسَابِ البَرَايَا تَتَعَالَى
وَأَجَابَتْ أَنَا مِنْ أَنْدَلُسٍ
جَنَّةِ الدُّنْيَا سُهوْلًا وَجِبَالَا
وَجُدوْدِي أَلْمَحُ الدَّهْرَ عَلى
ذِكْرِهِم يَطوِي جَنَاحَيْهِ جَلَالَا
بُوْرِكَتْ صَحْرَاؤُهْم كَمْ زَخَرَتْ
بَالْمُرُوْءَاتِ رِيَاحًا وَرِمَالَا
حَمَلُوا الشَّرْقَ سَنَاءً وَسَنًى
وَتَخَطُوا مَلعَبَ الغَرْبِ نِضَالَا
فَنَمَا المَجْدُ عَلَى آثَارِهِمْ
وَتَحَدَّى بَعْدَمَا زَالُوا، الزَّوَالَا
هَؤلَاءِ الصِّيْدُ قَوْمِي فَانْتَسِبْ
إِنْ تَجِدْ أَكْرمَ مِنْ قَوْمِي رِجَالَا!
أَطْرقَ القَلْبُ، وَغَامَتْ أَعْيُنِي
بِرُؤَاهَا وَتَجَاهَلْتُ السُّؤَالَا!
وكردِّ الحسناء على سؤال الشاعر، تجد أمتنا العربية اليوم قد تجاهلت السؤال! لأنَّنا ما نزال نعالج مشكلاتنا بمنطقٍ عفا عليه الزمن. فمن يستمع إلى تدبيج الخُطب والقصائد، يُخال أنَّنا ملكنا للسماء سلَّمًا نرتقيه، لننظر من علوٍّ على الآخرين.
وما أصدق هذا القول على واقعنا الذي نعيش فيه إمَّا جاهلين أو متجاهلين.. فالتقارير عن المعركة الانتخابيَّة الأمريكية، تركتنا نتخبَّط في فيض المساجلات الشرسة بين المتنافِسيَن، فشُدَّت أعصابنا. ورحنا نُحلَّل الأمور كمَن يقرأ البخت! وسبقنا بتمنِّيات استطلاعات الرأي الأمريكيَّة في ترجيح كفَّة السيِّدة كلينتون على منافسها ترمب. وراهنَّا بأنَّ مَن تمنَّينا فوزها هي التي ستكون سيَّدة البيت الأبيض، وعلى غير ما تمنَّينا؛ فوجئنا بفوز «مَن قرَّرنا خسارته».
هنا أعود للآية الكريمة أعلاه، وللشعر أيضًا. لأنَّ النفوس التي تنطوي سريرتها على الضغينة سرعان ما تكشفها سلوكياتها. فالسيَّدة «الطيِّبة» التي تمنَّى هؤلاء فوزها أصبحت بمجرَّد خسارتها حمَّالة الحطب. فمع ابتعادهم عن هدي الإسلام، يُنيبون أنفسهم عن الخالق جلَّ وعلا بعقابٍ هم أولى أن ينزل بهم. وعندما يستشهدون بكلام الله لتأكيد نزواتهم الشيطانيَّة، فإنَّهم يُسيئون للإسلام فكرًا، وللمسلمين سلوكًا في المجتمعات التي يوجد فيها أقليَّة. أمن عجبٍ أن يجد غير المسلمين في فكر المسلمين تحريضًا على العنف، لتنعكس على مَن هم مِن المسلمين في ديار الغرب تضييقًا في أمور معيشتهم.
هؤلاء الذين ابتعدوا عن روح الإسلام تناسوا أنَّنا في عديد من المجتمعات العربيَّة أكثر عنصريَّة وإقصاءً للرأي الآخر.. أمَّا سلميَّة انتقال السلطة كما تتجلَّى في انتخابات الرئاسة الأمريكيَّة، فقد مثَّلت في قول حكمة من تراثنا: «عاشِر بِمعروفٍ وسامِح مَن اعتدَى.. وَفارق، لَكن بِالتي هي أحسنُ».. وهكذا تُمدُّ يد التعاون مع القادم إلى البيت الأبيض، فيتقدَّم المجتمع سلمًا وأمانًا. ولو ماثلناها بما في بعض البلدان العربية -الآن- لرأيناها أبعد ما تكون عنها، والشواهد أكثر من أن تُحصى.. وبعودٍ للقصيدة، ذِكر الماضي والأمجاد إن لم يكن حافزًا للتقدُّم، فالأجدر أن «نتجاهلَ السؤالَا».. فهل أنتم معتبرون يا أمة العرب؟!.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store