Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

عبدالمقصود خوجة.. وضروبٌ من العطاءِ الفكريِّ والإنسانيِّ

*إنْ تَحَمَّلَ جيلُ الروادِ أعباءَ صناعةِ الكلمةِ بمختلفِ ضروبِها، فإنَّ مَن شجَّعوا على نشرها، قد ضربوا المثلَ في الوطنيَّةِ والتضحيةِ، وربَّما كان دورهم أكثرَ مشقَّةً وصعوبةً.

A A
*إنْ تَحَمَّلَ جيلُ الروادِ أعباءَ صناعةِ الكلمةِ بمختلفِ ضروبِها، فإنَّ مَن شجَّعوا على نشرها، قد ضربوا المثلَ في الوطنيَّةِ والتضحيةِ، وربَّما كان دورهم أكثرَ مشقَّةً وصعوبةً.
* ويبرزُ بينَ جيل الروَّاد اسمُ الشيخ محمد سرور الصبَّان، والذي كان توصيف الأستاذ الراوية محمد حسين زيدان للدورِ الذي قام بهِ في النهضةِ الأدبيَّةِ في بلادنِا الأقربَ إلى الحقيقةِ والواقعِ، حيثُ قال في مقالٍ له يرثي فيه الرائدَ الصبَّان: «نشأ فينا رجالٌ لم يصنعُوا الأدبَ، ولكنَّهم شجَّعوه، فكانوا بذلك أكثرَ من صانعيه، من هؤلاء محمد سرور الصبَّان». ولا يبتعدُ عن هذه المقاربة ما كتبه الأستاذ الكبير عزيز ضياء عنه -وبعد رحيله- أيضًا، مضيفًا إليه الإشارة «إلى قدر من المشاعرِ السلبيَّة عند البعضِ إزاءَ الشيخ الصبَّان، وربَّما كان دافعها الحسد الذي هو طبيعة إنسانيَّة منذُ أوجدَ اللهُ الإنسانَ على هذه الأرض، والنجاح في حياة الشيخ كالنجاحِ في حياة كلِّ إنسانٍ كان يثيرُ دومًا ألوانًا من الحقدِ، تغلي به الصدورُ التي تأكلُ على مائدته، وتنعمُ برفده وعطائه، بل وتدينُ له بما أصابتْ من نعمةٍ، وما تحقَّق لها من استقرارٍ، ولكنَّ الرجلَ - يعنِي الصبَّان- كانَ أكبر من أنْ يقابلَ جحودًا بجحودٍ، وأعظم نفسًا من أن يكونَ يتوقَّع مردودًا لما سبق من الفضل، ويكفيه أن يعرف الناس أنَّ هذا وذاك وغيرهما من صنائعه، وأنَّه كان لهم -بعد الله- سندًا وملاذًا يوم كانوا يتلمَّسون سبيلهم إلى لقمة العيش فلا يجدون سواه».
* ومرَّ عقدٌ من الزمن على أرباب الكلمة، من دون أن يكون لهم في مسيرتهم أبٌ روحيّ ورائدٌ، حتَّى ظهرَ مع بداية هذا القرن اسم الشيخ عبدالمقصود خوجة، والذي كان والده من جيل الروَّاد، حيث نشر مع مريده الأستاذ الأديب عبدالله بلخير كتاب «وحي الصحراء»، والذي يُعدُّ أوَّل بيانٍ جماعيٍّ للأدباء في بلادنا، وكان ذلك سنة 1355هـ، وكان في بروزه يحملُ -دون ريب- مقوِّمات الأديب كتابةً وخطابةً، وكانت الاثنينيَّة التي كَرَّم الرَّائدُ عبدالمقصود خلالها معظمَ مَن أدركَ من رموزِ جيلِ الروَّادِ، وقام كذلك بنشر إنتاجهم الفكريِّ والأدبيِّ، وتعدَّى دور الاثنينيَّة المحليّ إلى العربيِّ، والعالميِّ، وأضحت ندوتُه تلك ممَّا يتسابقُ شداةُ الأدبِ لحضورها والإفادة منها، وكان الرَّائدُ عبدالمقصود يقرنُ ذلكَ كلّه بابتسامة صادقة، ولمسات إنسانيَّة رفيعة، فهو لا يسمع بأنَّ أحدّ روَّاد منتداه قد أصابه مكروهٌ إلاَّ وأسرع لزيارته، والسؤال عنه، ولا يعوزني الدليل، فلمْ أكنْ الأقربَ إلى عبدالمقصود من مجايليه، ولكنَّه قرأ يومًا مقالةً كتبتُها تحت تأثير ألم محضٍ من جرَّاء مرض ابنتي، فإِذا هو يتَّصلُ عارضًا مؤازرته، فشكرتُه وأعلمتُه أنَّ معالي الشيخ أحمد زكي يماني قد عرض بنفس كريمة رعايته، ولكنِّي في داخلي كنتُ -ومازلتُ- أحتفظُ لأبي محمد سعيد بالفضلِ، وجئتُ لأعرفه عن قرب أكثر من سجاياه، عندما احتفل في اثنينيّته بمئوية الشاعر الكبير حمزة شحاتة، حين اختارني لأكونَ أحدَ أعضاء اللجنة العلميَّة، فلقد كان حريصًا ألاَّ ينشر من إنتاج الشاعر ما يدخل في باب الخصوصيَّة، انطلاقًا من باعث الشهامة الذي عُرف به جيرانُ بيت الله الحرام، ومُتنزَّل رحماته.
* وكثير ممَّا يمكن أنْ يُقال عن عبدالمقصود ومنتداه، الذي أضحى معلمًا من معالم الثقافة في بلادنا.
ويأتي تكريم مؤتمر الأدباء الخامس، والمنطلق برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لهذا المنتدى، في وقت أقفلت الاثنينيَّة أبوابها، ويؤمِّل قاصدوها أنْ يكونَ ذلك مؤقَّتًا بعد ثلاثين عامًا من العطاء الثقافيِّ والحضاريِّ والفكريِّ، وهو ما يدفعني أن أقدِّم الشكرَ لمعالي الدكتور عادل الطريفي وزير الثقافة والإعلام، فهو حريص على مثل هذه اللمحات الإنسانيَّة الوضَّاءة، والعميقة في مدلولها الإنسانيّ.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store