فالعقل الإنساني وقدرته على الإدراك والتمييز والتمحيص هو وسيلته في إدراك فحوى الوحي الإلهي ووضعه موضع الإرشاد والتوجيه لعمل الإنسان وبناء الحياة ونظمها وإنجازاتها بما يُحقِّق غاية الوحي ومقاصده. فبغيره لا يتم تنزيل النص على الواقع، والعقل ابتداءً يميز بين الوحي الصحيح، وبين الدجل والخرافة والكهانة الكاذبة. فكما أنّه وسيلة الإنسان إلى الفكر الصحيح والعلم النافع، فهو وسيلته قبل ذلك إلى الهداية وإلى الإيمان بالوحي ورسالات السماء؛ لذا فلقد اهتمت التربيةُ الإسلاميةُ بالتربيةِ العقلية، وأهمُّ الأسس التي تقوم عليها التربية العقلية الحث على العلم والتعلم (اقرأْ بِاسْمِ رَبَّكَ الَّذي خَلَق. خلَقَ الإِنْسَان مِنْ عَلَقْ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم. الذي عَلَّمَ بِالقَلَمِ. عَلَمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) والحث على التبين والتثبت والتروي في معرفةِ الحقائقِ العلمية، وفهمِ أسبابها واستخراجِ قوانينها بشتى الوسائلِ من ملاحظةٍ ومشاهدةٍ وتجربة قبل تقريرِ نتائجِها، وإعلانِ أحكامِها (قُلْ هَاتُوا بُرْهانَكُمْ إن كُنتُم صادِقين) (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلم إنَّ السَّمَعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئولا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوُا إِنْ جَاءَكٌمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوُا أَنْ تُصِيُبُوُا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوُا عَلَى مَا فَعْلْتُمْ نَادِمِين).
ويكفي الإسلام تكريمًا للعقل وإعلاء من شأنه أن جعله مناط التكليف، فلا يتوجَّه الخطاب الشرعي إلا للعقلاء من البشر، بينما يسقط التكليف وترتفع المسؤولية عن فاقدي هذه النعمة الإلهية والجوهرة الثمينة، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق».