Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

دول آسيا وزيارة خادم الحرمين

A A
هناك حكمة سياسية تقول: « السياسة ليست لعبة النوايا الحسنة أو المبادئ السامية فحسب؛ إذ ليس بالضرورة أن ينتصر صاحب المبدأ، إنها أشبه بلعبة الشطرنج يتدخّل فيها عامل الذكاء والاستعداد والإلمام الجيد بقواعد اللعبة، وهي أبعد ما تكون عن لعبة النرد؛ حيث يتمتم اللاعب يا رب ويرمي النرد راجياً تحقيق الفوز.

إذن السياسة لعبة الذكاء، هكذا هي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لدول آسيا السبع، ومنها خمس دول مصنفة ضمن النمور الاقتصادية لأنها حققت قفزة نوعية اقتصادياً واجتماعياً مثل « ماليزيا، أندونيسيا» أو ضمن الدول الصناعية الجديدة كـ « سنغافورة والصين» لأنها طبقت النموذج الياباني خاصة في الصناعات الدقيقة، أما بالنسبة لليابان فهي من أكثر الدول تقدماً في العالم، ويحتل الناتج القومي الإجمالي ( قيمة السلع المنتجة في اليابان خلال عام واحد ) المرتبة الثالثة على مستوى العالم، فالسر الياباني يكمن في الجودة الشاملة التي طورها اليابانيون بعد تطبيقهم لمبدأ الجودة والنوعية ( الأمريكية الأصل ).

في السياسة أيضاً « ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة» فالعلاقات السياسية لا تستقيم على وتيرة واحدة، كبندول الساعة تتذبذب حسب رؤية القيادات الجديدة للدول وانتماءاتها السياسية، وفي عالمنا العربي يظهر هذا التذبذب جلياً عند أول أزمة سياسية، كما يمثل الانتماء العقدي والطائفي أولوية لدى بعض القيادات على استقرار واستمرار العلاقات السياسية، لذلك من يقرأ التاريخ وعلاقات الدول يشهد على سخاء الدولة السعودية منذ تأسيسها مع جيرانها وأصدقائها، وفي الكوارث والمحن تكون هي المبادر الأكبر والأسرع وكم من دول كانت صديقة تحولت فجأة إلى عدو يكيل التهم ويمارس المن والأذى على خدمات قدمت في عهود مضت مدفوعة الأجر، كم عانينا عند أول اختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا العالقة في منطقتنا المتوترة، تنقلب الصداقة إلى عداء شديد غير منطقي أو مبرر، إذن زيارة خادم الحرمين التي انطلقت يوم السبت 25 فبراير 2017م/ 29 جمادى الأولى 1438هـ، واستهدفت دولاً لها ثقل صناعي تمثل نقلة نوعية في العلاقات الدولية للمملكة، وتوضح مدى أهمية التوجه الوطني المتسق مع رؤية « 2030 « حيث لا بد أن تأتي هذه الزيارة التي تستغرق شهراً بنتائج استثمارية لتنمية الصناعة، مشكلتنا الأزلية مع استيراد كل شيء من الإبرة إلى الطائرة كما يقولون، كذلك تنوع العلاقات السياسية وعدم حصرها في اتجاه واحد أو اقتصارها على دول بعينها بل التعدد والتنوع نتائجه ثرية بأطيب الثمر.

كما ننتظر نحن السعوديين نتائج مستقبلية إيجابية للزيارة الملكية لدول آسيا، ينتظر الطرف الآخر نتائج مماثلة، خصوصاً اليابان رغم أننا من أكبر الدول المستوردة لصناعاتها المتنوعة والمتميزة بجودتها، إلا أنها تعقد على هذه الزيارة الكثير، وهذا لمسته من طلب صحيفة يابانية التعرف على المجتمع السعودي من خلال إجراء لقاء صحفي معي في منزلي في القاهرة، الصحيفة اليابانية لا أذكر اسمها وتركت بطاقة مدير الوكالة ومساعدته اليابانيين « في القاهرة « وقدما لزيارتي مع مديرة مكتب القاهرة المصرية، استعداداً لزيارة خادم الحرمين الشريفين.

حقا اليابانيون شعب دقيق ومنظم، منذ وصولهما منزلي قدما بطاقتيهما، وعلى عادتنا العربية الاهتمام بالضيف واستقباله بما يليق، وضعت البطاقتان على الطاولة دون النظر إليهما وانشغلت بالحديث معهما، بعد خروجهما وأنا أنظر في البطاقتين، انتبهت أنهما قدما البطاقات لحظة وصولهما لأتعرف على منصبيهما في الصحيفة الواسعة الانتشار في اليابان توزع « 10 ملايين نسخة في اليوم « اكتشفت أيضا أن إعلامنا لم يهتم بإلقاء الضوء على الدول السبع مدار الزيارة الملكية ليتعرف المواطن والقارئ العربي على أهداف الزيارة الملكية وهو يتعرف على هذه المجتمعات التي يتعامل معها بشكل سطحي، فلا يعرف الكثير عن مجتمعاتها التي كافحت الكوارث الطبيعية والجهل والفقر لتصبح من أغنى وأجمل الدول صناعة وسياحة.

علاقات المملكة مع دول آسيا لا تبدأ بهذه الزيارة الملكية ولكنها تتوثق وتتعمق اقتصادياً، وهو ما نحتاجه في هذه الفترة التي يمر فيها اقتصادنا من عنق الزجاجة، ولأننا تحولنا مع الطفرة الأولى إلى مجتمع استهلاكي ، نحن بحاجة إلى التحول إلى مجتمع منتج ودولة صناعية تمتلك كل هذه الطاقات البشرية والجغرافية والاقتصادية قبل أن تفقد مابقي من قدراتها الهائلة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store