Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

زياد الدريس.. بقعة ضوء

A A
يأتي مندوب المملكة السابق لدى منظمة اليونسكو الدكتور زياد الدريس ليجسد لنا نموذج المسؤول الذي تتآزر قدراته الذاتية مع استشعاره المسؤولية المُلقاة على عاتقه لتصنع منه شخصية هي أقرب للشخصية المثالية في تحمُّل مهامها والقيام بواجباتها، لا من منطلقٍ روتينيٍّ لا يتجاوز حدود المألوف ولا يتطلع إلى مناوشة الإبداع والتجديد والتميز، وإنما من منطلقِ التغييرِ والتطوير والسعي لبلوغ قمم العطاء وتجسيد القيمة الحقيقية للمهمة المنوطة به. أسماء عديدة مرت على جسر المهمة الوظيفية الحكومية -ومنها الوظيفة الخارجية- غير أنها مضت دون أن تلفت إليها الأنظار، لا أقول تلفت الأنظار لصفاتها الخَلْقية ولا لنرجسية ذواتها وإنما لفرادة إنجازاتها وتميز أدائها. بروز نجم الدكتور زياد بدأ منذ بواكير حياته الوظيفية، غير أنني أرى أن رئاسته تحرير (مجلة المعرفة-١٩٩٧م) بعد بعثها من مرقدها في عهد وزير التعليم الأسبق محمد الرشيد -رحمه الله- كانت المنعطفَ الأهمَّ في مسيرته العملية الحافلة بالنجاحات المتتالية؛ فقد جاء الدريس إلى المجلة فجعل الأقلام تتسابق على صفحاتها لتسكب عليها مداد فكرها الخلاق، فكانت الأرواح قبل الأيدي تتلقفها مع ميلاد كل شهر قمري. لم يكد الدريس يطمئن على رسوِّ سفينةِ (المعرفة) على جوديِّ التفوق والتفرُّد إلا وحط رحاله عام (٢٠٠٦م) في العاصمة الفرنسية (باريس) مندوبًا دائمًا للمملكة لدى منظمة اليونسكو، ليكتب من هناك قصة نجاح أخرى اختلطت بروائح العطور الباريسية الفواحة لتنطلق من أروقة المنظمة وتصل إلى أقصى مدىً حاملةً المعنى الحقيقي للإرادة الجادة والعمل المُتقَن والمُخرَج المتميز الذي تَمثل في اتخاذ المنظمة لحزمة قرارات تاريخية كالاحتفال العالمي بيوم اللغة العربية، وتفعيل برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتفعيل اللغة العربية، وإنشاء الكراسي الأكاديمية بين المنظمة والجامعات السعودية، وغيرها من الإنجازات البارزة التي جاءت نتيجةً حتميةً لجهد مخلص من شخصية دبلوماسية فذة عنيت -ومنظومتُها- بالاشتغال على الهم الثقافي واللغوي والقضايا الإنسانية طوال عَقد من الزمان في تلك المنظمة الدولية العريقة. على الضفة الأخرى في حياة الدريس نجد الشخصية الإنسانية التي أكسبتها ثقافتُها الواسعة وثراؤها المعرفي نُبلاً وتواضعًا ملازمَين لها، في هذا المقام أذكر أنني قابلته قبل سنتين في أحد ممرات معرض الرياض الدولي للكتاب وهو يتوكأ على عصاه لعارض صحي -لعلهُ زال- وهو يقابل الناس بطبيعته الإنسانية لا بصفته الوظيفية، وأذكر له كذلك موقفه المتوازن حينما ذكر -خلال المؤتمر الذي عُقد في أبها قبل عَقد عن المنهج الخفي- ما معناه: أننا نلوم الشباب على عدم أخذهم بفتاوى علمائنا ونحن أنفسنا نخالف ما ندعوهم إليه حينما نأخذ منها ما يناسبنا ونطرح ما يخالف أهواءنا، وقد اتصلت بعدها بسعادته -على هاتف مجلة المعرفة- وشكرت له موقفه النبيل. لعلني أصل هنا للثيمة التي شكلت لنا هذه الشخصية المختلفة، ولعلني أكون مصيبًا عندما أعزو ذلك لكون الدريس مثقفًا ثقافة أصيلة متوازنة، وقد وجدتُ في كتبه التي اطلعتُ عليها مثل (حروب الهويات الصغرى- قل لي من أنا أقل لك من أنت -معركة اليونسكو) ما يشي بذلك. ويبقى تكريم سمو أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر للدريس أبلغ رسالة على تقدير المسؤول لبقع الضوء الساطعة في مسيرة الوطن، وما وزير الخارجية (الجبير) ومندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة (المعلِّمي) عن الدريس ببعيدَين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store