Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سمر الحيسوني

حتى نؤدي أمانتنا تجاه أبنائنا !!

A A
أصبحت المجتمعات تهتم اهتمامًا كبيرًا بالحقوق، سواءً المدنية، أو السياسية، أو الثقافية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، وحتى حقوق الطفل أصبحت تحتل نصيبًا من ذلك، وقامت العديد من البلدان بالتوقيع على اتفاقية حقوق الطفل التي تُعتبر بمثابة صك قانوني دولي مكمّل لحقوق الإنسان، فللطفل حقوق عديدة، وأبناؤنا هم هبة من الله تعالى لنا، فكيف نهدر حقوقهم وننتظر من يُنظّم هذه الحقوق المهدورة بمواثيق واتفاقيات خارجية؟، لماذا وصلنا إلى حد جعل من عاطفة الأمومة والأبوة في حاجة إلى التقنين لحفظ حقوق الأبناء؟، وكيف وصل بنا الأمر لأن يُصبح هنالك ضرورة تستدعي وجود من يُنادي بحقوق الطفل لحمايته من والديه؟!

حق الطفل لا ينحصر في مجرّد التعليم، والمأكل والملبس والصحة، كما أنّه لا يتجسّد بالحماية من الإهمال، والاعتداءات الجسدية والنفسية والمعنوية والجنسية فحسب، بل هناك حق لأبنائنا علينا أعمق من هذا المعنى، ألا وهو حق الحوار معهم. فللطفل الحق في حرية التعبير، والحق في حرية البحث عن المعلومات، كما أنّ له الحق كذلك بتلقي الأفكار الخاصة به دون أي اعتبار للحدود الممنوحة له، على أن يقوم بعدها والداه بإيضاح المفاهيم الصحيحة وبيان الخاطئ منها له، بذلك يكون للوالدين دور أسهل في الرقابة على فكر أبنائهم ومعرفة توجهاتهم، ليتمكنوا من إخضاعهم لبعض القيود والشروط غير المباشرة، وتوجيههم بالشكل الصحيح، مع احترام حقوقهم وشخصيتهم وخصوصيتهم.

وللأسف الشديد نعاني اليوم من وجود فجوة بين الآباء والأبناء، وهذه ظاهرة مقلقة؛ فلم يعد هناك حوار بين الطرفين لدرجة أصبحنا نلاحظ فقدان الهوية العربية الإسلامية لأبنائنا، لا يُمكن إنكار حقيقة استحواذ التطور التكنولوجي على أبنائنا وسرقتهم منّا، لحدٍ أصبح هو المربي الفعلي لهم في غياب رقابة الوالدين عليهم، ومع ذلك لا يُمكن اللجوء إلى التعنيف، أو الحرمان، أو إعطاء الأوامر لحل هذه المشكلة، لأنّ هذا أصبح أمرٌ واقع وقد فُرض على الجميع، فالحوار مع الأبناء مِن أسلم الطرق للوصول لعقولهم ومخاطبة قلوبهم، فبعضنا لم يأخذ التربية بالشكل الصحيح، بل مارس أسلوب النهر والزجر وبعض أنواع العنف اللفظي والنفسي على أبنائه، لمجرّد عدم قناعته بما يناقشونه به من أفكار تُحاكي أبناء جيلهم! وبسبب غياب الحوار داخل بيوتنا، فقدنا طريقة التربية الروحية والخلقية، وتعلّم احترام وجهات النظر المختلفة، فيُعتبر الحوار مع الطفل من الصغر أساس التربية السليمة، فعند محاورة أبناءنا نُكسبهم لغتهم وهويتهم المستقلة، ويتشكّل الفكر السليم الخاص بهم، وتتكون لديهم شخصيتهم الخاصة، مع الحفاظ على العقيدة والقيّم الإسلامية والاجتماعية التي سيكتسبونها بشكلٍ غير مباشر من والديهم كونهم يتحاورون معهم بشكلٍ جيد.

أخيرًا، أتمنى أن يكون هناك برنامج توعوي يؤهل أولياء الأمور على تحمّل مسؤولية أبنائهم ويُعلِّمهم كيفية مخاطبة عقول أبنائهم وجذبها إليهم، وتوجيههم لسلوك الطريق الصواب، وإرشادهم في حال أضلوا عن ذلك بالطرق العقلانية الخالية من التهديد والتعنيف، التي تزرع فيهم المبادئ السليمة واحترام الغير، سعيًا إلى تجنّب إلحاق الأذى النفسي بهم، والذي يفتح الباب لدوامة كبيرة من المعاناة من العُقَد والاضطرابات السلوكية، والتي بدورها تجعل الخوف والتردد يسيطر عليهم، ويهز ثقتهم في أنفسهم، فعلينا إعطاء أبنائنا الفرصة للتعبير عن ذاتهم والإنصات إليهم لتصحيح أي من الأفكار المضللة لديهم بالشكل القويم، قبل أن تُزرع في أدمغتهم، وتؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه.

أبناؤنا أمانة في أعناقنا، فلنؤدِ أمانتنا بما يُرضي من وهبنا إياهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store