Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

القصص الإنسانية لجنودنا على الجبهة

A A
المشهد يستقطب اهتمامك، شباب في وقفة الإقدام يصطف كالبنيان المرصوص، والوجوه مشرقة بالفرح والنظرات تشع حزماً وعزماً ينتظرون لحظة الانطلاق إلى المهمة الجليلة، لحظة الهبوط المظلي على الجبهة، لم يَبدُ عليهم خوف ولا رهبة، كأنهم يذهبون إلى نزهة، لا إلى مصير مجهول، يتربص به الأعداء. وأنت تتابع تلك الوجوه المتدفقة شباباً وحيوية، وقلبك يخفق، حباً ،فرحاً ،خوفاً ،فخراً، تختلط كل المشاعر في الثواني أو الدقائق زمن الفيديو الذي انتشر على الواتس لعملية إنزال جنودنا البواسل على الجبهة الجنوبية التي لم تكن الأولى بالتأكيد ولا الأخيرة طالما أن الحوثي يعيث في اليمن الفساد بدعم إيراني مشين ويهدد أمن بلاد الحرمين، لتحقيق حلم إبليس في الجنة، وهو الحلم المستحيل، فلا إبليس يدخل الجنة ولا إيران تضع قدماً في بلاد الحرمين .

يقولون ليس من سمع كمن رأى، مع أن الرؤية لم تتجاوز ثواني أو دقائق معدودة، إلا أنها نجحت ليس فقط في تجسيد المشهد، بل غرسه في القلوب والعقول يمد جذوره وأفرعه في زوايا الذاكرة، يفتح أبواب الاهتمام بما يمكن أن يواجه تلك الوجوه المشرقة والأجساد المتحفزة للدفاع عن الوطن. من منا لم يستودعهم الله، ويتمم بالدعاء لهم بالسلامة والنصر؟ .

منذ بدأت المعركة الدفاعية عن حدود الوطن، ونحن نتابع أحياناً أخبار جنودنا على الجبهة وترتفع أكفنا وتضرع قلوبنا بالدعاء لهم بالنصر، ثم ننشغل بشؤون أخرى، سُنة الحياة، أو كما يقولون ( كل واحد في سوقه يبيع خروقه ) كل واحد لديه من المشاغل والهموم ما يأخذه بعيداً عن آلام وهموم وأحزان الآخرين، حتى عن حدنا الجنوبي الذي يتربص به الأعداء وينشغل بالدفاع عنه حماة الوطن، كل إنسان مشغول بالحياة، مع أن الموت هو الوجه الآخر للحياة، لكننا نحاول إخفاءه أو تجاهله حتى نفجع في قريب أو حبيب نفيق من غفوتنا، كذلك فقدنا من أبطالنا خلال دفاعهم عن أمننا وسلامة الوطن، كم فقدنا خلال مواجهات الأمن ضد الإرهاب، وعلى الجبهة في الحد الجنوبي، شهداء الوطن، لذلك شكل ذلك الفيديو الذي انتشر لعملية إنزال عدد من الجنود لحظة فارقة في التفكير فيما يواجهه هؤلاء الشباب والمصير المحفوف بالخطر على جبهة القتال.

في ظل هذا الانشغال بهموم الحياة والغفلة السادر فيها الإنسان، نحن بحاجة إلى عمليات بث تشبه عمليات الإنزال المظلي لجنودنا الأبطال، بث متواصل لمشاهد، صور، قصص وحكايات من الجبهة ليرتفع وعي وإحساس المواطن بما يواجه جنودنا البواسل، هؤلاء الشباب الذين يلقون بأنفسهم ليس فقط من الطائرة الحربية ثم يفتحون المظلة ويهبطون بسلام، بل الصعوبات التي تواجههم والقصص الإنسانية الخلفية المخفية لمن على الجبهة ومن حارب ومن قَتل ومن قُتل ومن رأى زميله مصاباً وماذا فعل لإنقاذه ومن فقد صديقاً أو زميلاً وهو صامد يكبت عاطفته ويقسر مشاعره على الصمود والقتال كي يحصد أكبر عدد من أرواح الأعداء.

الأخبار المنشورة تلامس سطح المشهد ،تقارير عسكرية رسمية وإحصاءات ربما لا تلامس وجدان المتلقى كما فعل هذا الفيديو القصير في الوجدان، أعلم أن مهمة جنودنا البواسل وحماية حدنا الجنوبي في مواجهة الحوثي المدعوم من إيران وما يحمله في صدره من حقد وغل ليست نزهة ولا فسحة وليست بالأمر الذي يمكن كشفه والخوض فيه، لكننا بحاجة إلى إظهار بعض تلك القصص الإنسانية بحيث لا تؤثر على الأسرار الحربية، أو سرية ما يجري على الجبهة، بل تكتب بأقلام وعدسات وريشة المبدعين في هذه المجالات التي تنفذ إلى عمق الأحداث، تتوغل داخل القلوب والعقول، تصور بريشة فنان أو قلم أديب أو عدسة مصور قصصاً وحكايات لا تنفذ إليها الأخبار والتقارير الاخبارية، هنا يحدث الفرق في استقطاب الوعي وتحفيز الاهتمام بالحدث لترسيخ شكل من أشكال المعايشة، وضخ جرعة انتماء لوطن يواجه الأعداء بجنوده البواسل ويمضي في مسيرة الحياة دون إرباك أو خلل.

أهمية انتشار فيديو إنزال جنودنا البواسل، ليس فقط تلك المشاعر المختلطة بل الدعوات التي أرفقت مع الفيديو من كل قلب رقَّ واضطرب حباً وخوفاً وفرحاً وهو يتابع عمليه الإنزال لجنودنا الشباب والابتسامة تشكل قسماتهم والعزيمة تنسكب من نظراتهم شعاع شمس تشرق بنصر مؤزَّر بإذن الله، وجرعة تعايش وتعاطف واهتمام لكنها لا تلبث أن تهضم في أمعاء المشاغل اليومية، لذلك تشكل زيارة الأدباء والأديبات للحد الجنوبي ضرورة للتعرف على هذا المجهود الحربي الذي يحدث لنا لأول مرة بهذا الشكل الكبير والمتواصل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store