Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

الجمال والفن وطلبة المدارس!

A A
الجمال ثالث ثلاثة في منظومة القيم الأخلاقية العليا «الخير والحق والجمال»، ليس الجمال الحسي الذي تغنى به الشعراء بل الجمال كقيمة عليا من القيم الأخلاقية والنظريات الفلسفية، يقول سقراط: (أيمكن ألا ينطوي هذا الجمال الساحر على نفس تناسبه جمالاً وخيراً).

جمال الخَلق هبة ربانية من الخالق سبحانه وتعالى، لكن جمال الخُلق مسؤولية البيئة التي ينشأ فيها الإنسان، كم من وجوه جميلة لم تُربَّ نفوسهم على الجمال، فاشتملت صفاتهم على النقيضين «القبح النفسي والجمال الخارجي»، أما الكمال فهو الجمال في الخَلق من فضل الله تعالي، وجمال الخُلق يتم تشكيله في حضن الأم الدافئ الهانئ، فالأم الحزينة والمتوترة والمحبطة تطعم وليدها كل هذا القبح النفسي، فالاهتمام بالأم وتوفير لها أسباب الراحة والسعادة ليس مطلباً نسوياً يمكن أن يخضع للجدل والأخذ والرد، بل مسؤولية تقع على كاهل الدولة بصفتها مسؤولة عن تنمية المجتمع وازدهاره، وحماية الأم وتوفير سبل الرعاية والحماية بقانون الأسرة.

المدرسة أيضاً بيئة مهمة في استكمال تشكيل وجدان الطالب على قيم الجمال في المكان والاهتمام بكل التفاصيل التي تحيط بالطالب خلال يومه الدراسي، البيئة الجميلة لتربية الحواس بوابة الوعي والإدراك، يمكن أن تخلق أجيالاً خالية من القبح نقيض الجمال، وأسوأ صوره العنف، لأن المدرسة هي البيئة التي سيقضي فيها طفولته ومراهقته.

المدرسة بيئة مهمة في تشكيل العقل والنفس وصناعة الجمال أو القبح في نفوس الطلبة والمعلمين، وللأسف معظم المباني المدرسية الحكومية وكثير من الخاصة لا تراعي القيم الجمالية، فالفصول بنوافذ مخلعة ومقاعد مهترئة وسبورة متآكلة ووسائل إيضاح باهتة، أي لا توجد بيئة جميلة يدرس فيها الطالب فتطمئن نفسه وتقر عينه برؤية الجمال حوله بل قبح يطوقه حتى في الساحة والمقصف، كما يطلق عليه في المدارس ربما لأنه يقصف صحة وهدوء وبراءة الصغار، فالمقصف في معظم المدارس لايختلف عن بسطة في حي شعبي يبيع كل شيء غير صحي، يخطف الطلبة وجباتهم ويركضون يتناولونها وقوفاً وربما تعاركوا فيما بينهم، هكذا تمضي أهم فترة في اليوم الدراسي «الفسحة»..ألا يساهم هذا في إنتاج جيل فوضوي لا يراعي قيم المجتمع، لديه استعداد للعنف أيضاً؟!

في حفل المدرسة، شاركت فيه إحدى حفيداتي، رغم أن الموعد بالنسبة لي مبكر جداً وأنا كائن ليلي ،في ذلك الوقت من الصباح أجمل ساعات نومي، توقعت التعب والإرهاق إلا أن الجمال الذي وفرته المدرسة لطالباتها وأحاطني وأنا أسير في ردهاتها وصولاً إلى المسرح؛ والأرضيات الملونة والمجسمات الجمالية، والزي المدرسي الأنيق، والهدوء التام رغم أني في احتفالية مدرسة، إلا أن الجمال يهبك طاقة إيجابية كالسحر تزيل الإرهاق، ومشاعر عدم الراحة لكسر روتيني اليومي.

الجمال الذي حرصت عليه صاحبة المدارس، حتى الكافتيريا عبارة عن مطعم ووجبات يومية صحية ومتنوعة وعصائر طازجة، والبيئة الجميلة انعكست على سلوك الطالبات ومنسوبات المدرسة، الجميع يتحرك بهدوء ونظام، لم أرصد خطأً واحداً في فقرات الحفل، بل تعجبت كيف أتقنت الصغيرات - من أولى ابتدائي إلى الصف الثالث - التناغم والإتقان على المسرح، وهذا يؤكد أهمية الفن في تربية الوجدان على الجمال وغرس قيم الوطنية والولاء والانتماء والتعاون والعمل الجماعي، لو قدمت لهؤلاء الصغار ألف محاضرة عن الانتماء للوطن لن يكون لها أثر في نفوسهم كما أحدثه الأوبريت عن السعودية، لو درستهم كتاباً عن السيرة النبوية الشريفة لن تنغرس في نفوسهم وتنعكس على سلوكهم كالنشيد الذي شارك فيه الجميع على المسرح، كل طالبة وطالب يعرف متى ينتهي دوره ويبدأ دور زميله ليمد له «المايك» دون ربكة أو خطأ، في ذلك الحفل الصباحي الصغير، في مدرسة بيتي الصغير، تعلم الصغار الولاء للمليك والوطن، بالفن والجمال على المسرح، أتقنت الصغيرات أدوارهن، فاجأتني حفيدتي بفقرتها، لم تفصح لنا عنها، تعلمت كيف تحفظ السر أيضاً.

من أجرم في حق أجيال مضت تم حرمانهم من أهم قيم الجمال والفن عندما منعوا حفلات المدارس، وحرموا الفنون بأنواعها، التي تخدم الحياة الإنسانية والأخلاقية، حتى الإنسان البدائي في مرحلة الصيد انشغل بتجميل الكهوف برسومات الحيوانات وتلوينها، لأن النفس البشرية تتوق إلى الجمال فتبحث عن المكان الذي تهيأت فيه معايير الجمال لتقر العين وتهدأ النفس وينشط العقل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store