Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

صحوة معلم..!!

A A
قد نختلفُ على أمورٍ كثيرةٍ تخصُّ برنامجَ صحوة الشهير؛ حولَ مقدِّمهِ، حول ضيفهِ الدائمِ، أو حولَ مَا يُطرحُ فيه، لكنَّنَا سنتَّفقُ أنَّ (صحوةَ) ضربةِ معلَّم..!! إذْ يمكنُ القولُ إنَّهُ بالمعاييرِ الإعلاميَّةِ برنامجٌ مثاليٌّ متكاملُ الشروطِ. فهناكَ أولاً هذَا العنوانُ، ومَا يستدعِيه من حساسيَّةٍ اجتماعيَّةٍ وتاريخيَّةٍ، ليسَ على المستوَى المحليِّ وحسب، بلْ علَى مستوَى الأمَّةِ الإسلاميَّةِ. فـ(صحوة) لمْ تعدْ كلمةً عاديَّةً، ولا يمكنُ استخدامُهَا دونَ اجترارِ حمولاتِهَا الدلاليَّةِ المتراكمةِ خلالَ العقودِ الأربعةِ الماضيةِ، بلْ حتَّى وهِي تستخدمُ في معناهَا الأصليِّ المتعلِّقِ باليقظةِ والاستيقاظِ، لابدَّ أنْ تقودَ الذهنَ والحديثُ عن أبعادِهَا الحركيَّةِ الأخرَى، ولوْ علَى سبيلِ المزاحِ.

وهناكَ طبعًا أحمد العرفج، ذلكَ المثقَّفُ والكاتبُ العريقُ، الذِي نجحَ في عدَّةِ مشروعاتٍ، لعلَّ أهمَّها نجاحهُ في صنعِ هذَا الاختلافِ العجيبِ في رأي النَّاسِ حولَ شخصيَّتِهِ، وحولَ كتاباتِهِ، وحولَ عادتِهِ، وحولَ أشياءَ أخرَى. لديَّ إحساسٌ أنِّي لوْ بادرتُ باستفتاءِ تويتر -على طريقةِ القومِ هذِهِ الأيَّام- وسألتُ المتابعِينَ فيهِ: هلْ أنتَ معجبٌ بشخصيَّةِ أحمد العرفج؟ فستكونُ النتيجةُ متساويةً حدَّ الدهشةِ: (٥٠٪‏ - ٥٠٪‏)..!! لكنَّ هذَا مجرَّد إحساسٍ كمَا تعلمُونَ. ولا شكَّ أنَّ العرفجَ يستفيدُ -بذكائِهِ المعروفِ- من هذَا الجدلِ في التسويقِ لمشروعِهِ الإعلاميِّ، وفي إعدادِهِ للقضايَا التِي يطرحُهَا البرنامجُ.

وهناكَ -فوقَ ذلكَ كلِّه- الدكتور عدنان إبراهيم، الشخصيَّة الجدليَّة بامتيازٍ.. (الأجدلُ من العالمِ!!)؛ قدَّم إبراهيم نفسَهُ للجماهيرِ منذُ البدايةِ شخصيَّة موسوعيَّة، تنبشُ التفاصيلَ من كتبِ الفقهِ والتَّاريخِ الإسلاميِّ نبشًا، كمَا كانَ من الواضحِ أنَّهُ يتَّخذُ من رفضِ الآراءِ السائدةِ منطلقًا له.. لذلكَ اشتُهرَ بقراءاتِهِ الجريئةِ وتحليلاتِهِ المغايرةِ للمألوفِ لقضايَا إسلاميَّةِ شهيرةٍ، مَا أدَّى إلى هالةٍ من الضجيجِ (والعجيجِ أحيانًا) تصاحبُ أيَّ ظهورٍ لهُ. ولابدَّ أنْ أقولَ إنَّ هذَا الضجيجَ لمْ يكنْ من مخالفيهِ فقطْ، فقدْ كانَ هُو فِي مناسباتٍ مختلفةٍ مصدرًا لهُ. لكنَّ إبراهيم يظهرُ في صحوةٍ، الذِي نجحَ في جذبِ انتباهِ الجماهيرِ للعامِ الثَّانِي على التوالِي، هادئًا عقلانيًّا فِي معالجتِهِ لما يطرحُ، رغمَ حرارةِ الموضوعاتِ المطروحةِ. وهُو ما يُناسبُ طبيعةَ الشهرِ الفضيلِ، ويعطِي البرنامجَ قدرةً أكبرَ لإيصالِ رسالتِهِ. يمثِّلُ هذَا الهدوءِ وصفاء الخاطرِ، إحدى سمتَينِ مهمَّتينِ لظهورِ البرنامجِ عمومًا، أمَّا السمةُ الأخرَى فتتلخَّصُ في الاتِّكاءِ على العلمِ، وعلى مناهجِ البحثِ العلميِّ في تناولِ القضايَا المختارةِ، فقهيَّةً كانت، أو اجتماعيَّة عامَّة. أقصدُ أنَّ الضيفَ ومقدِّمَ البرنامجِ قدْ اتَّفقَا علَى أنَّ اتِّباع الخطواتِ العلميَّةِ في عرضِ أدبيَّاتِ القضيةِ، وفي نقدِ أبعادِهَا المختلفةِ، وهذَا ممَّا يضافُ لرصيدِ البرنامجِ من نجاحٍ.

سأختمُ بإشارتَينِ سريعتَينِ، تخصُّ الأولى عدنان إبراهيم نفسَه، الذِي يحتاجُ -وقدْ هدَاهُ اللهُ أخيرًا لفضيلَتيْ الهدوءِ وتوخِّي العلميَّة- إلى أنْ يمسحَ من أذهانِ جماهيرِهِ صورتَهُ تلكَ التِي يظهرُ فيهَا إمَّا متشنِّجُ اللغةِ و(بذيئهَا أحيانًا)، أو ينسَى فيهَا نفسَهُ -أحيانًا- ليختلطَ عليهِ عالم الواقعِ بالخرافةِ، فيسردَ حكاياتٍ تتنافَى مع المنطقِ العلميِّ تمامًا. الإشارةُ الأخرَى تتَّصلُ بطبيعةِ البرنامجِ التسجيليَّةِ، التي تفقدُه كثيرًا من وهجِ هذَا النوعِ من البرامجِ، وفقًا لأدبيَّاتِ الإعلامِ في هذَا العصرِ.. أي أنَّ العرفجَ اختارَ -متعمِّدًا علَى مَا يبدُو- أنْ يتركَ الفرصةَ للضيفِ ليستفيضَ في الحديثِ معَ ما عُرفَ عنْهُ مِن تبحَّرٍ، معَ وجودِ بعضِ المداخلاتِ المسجَّلةِ والباهتةِ، لكنَّي أعتقدُ أنَّ غيابَ النقاشِ المباشرِ، والآراءِ المخالفةِ، فوَّت علَى المشاهدِينَ بعضًا من أهمِّ أهدافِ الصحوةِ.. أقصدُ صحوةَ العرفجِ بالطبعِ..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store