Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

تفاءلوا بالخير تجدوه

A A
مَن يَعود مِنَّا إلى ذاكرته لأيَّام طفولته، لمَّا كان ووالداه وأفراد أسرته وجيرانه يصومون شهر رمضان، ويجتمع كامل أفراد الأسرة حول مائدتي الإفطار والسحور. وكان يترقَّب بشوقٍ وفرح مجيء عيد الفطر، وما يُصاحبه من كسوة سنويَّة جديدة، وحشر الجيوب بالقروش والريالات الفضيَّة، قبل العملة الورقيَّة مِن قِبَل الوالدين، وممَّن هم أكبر سنًّا من أفراد العائلة وأصدقائها، يُدرك الفارق الشاسع بين بهجة تلك الأيَّام الخوالي على بساطتها، وبين أيَّامنا هذه، التي فقد فيها معظمنا لمَّة العائلة في الإفطار والسحور. ولم تعد الكسوة السنويَّة، ولا العيديَّات النقديَّة مُنتظرَة من العيد للعيد. فمراكز التسوُّق أصبحت مراكز التمشية للكبار والصغار، لأناقتها وحُسن تنسيق معروضاتها، مما يُغري مدمني التمشية فيها للتسوُّق دون سابق تخطيط. وآلات الصرف منتشرة عند كلٍّ ركن وزاوية في تلك المراكز، وعند تقاطع الطرق، تمدّك بما تحتاجه من عملةٍ ورقيَّة. في الجانب الآخر من مراكز التسوق، كثرة من البشر يمرُّون بجانبها على استحياء لقلَّة ما في اليد. يترحَّمون على أيَّام الطفولة والتسوُّق من العيد للعيد، بفضل العيديَّات النقديَّة التي كثيرًا ما كانت تأتي بالفرج على الأُسَر المتعثِّرة.

قد يكون رمضان هذا العام الأكثر قسوة على أُسَر غاب عنها عائلها، ليحمي حدود الوطن من الطامعين والحاقدين على ما نتمتَّع به طوال السنوات التي خلت، من رفاهيةٍ ورغد وأمن واستقرار. وتشتدُّ القسوة عند أُسَر فقد «رب الأسرة» عمله، بسبب الأوضاع الاقتصاديَّة التي تمر بها المنطقة ككل، وانخفاض سعر النفط عالميًّا، وَمِمَّا يزيد الجرح إيلامًا أن يكون العامل على زعزعة أوضاع المنطقة شريكٌ لنا في الدم واللغة، والعقيدة والجوار! لا يُراعي في أهلهِ الذين احتضنوه منذ نعومة أظفاره إلًّا ولا ذمَّة. أخذه فكرٌ مُتطرِّف يُكفِّر إخوانه ويستحلَّ دماءهم وأعراضهم، وينشر الفتن والافتراءات لإذكاء نار الوقيعة. وهذا من أبشع أشكال ظُلم ذوي القربى. ويحدونا جميعنا أمل بالله الكريم بأن تزول الغُمَّة وتنفرج الأزمة، وينتصر الحقُّ على الباطل لتعود الأسرة الكبيرة إلى سابق عهدها من المحبَّة والإخاء، فلا يأتي عيد الأضحى المبارك القادم –

إن شاء الله- إلَّا ومعه عودة الوحدة والوئام، وانفراج الأزمات التي آلمت الكثيرين في هذا الشهر المبارك. وربُّنا على كلِّ شيء قدير. وصدق من قالَ:

تَفَاءَلْ بِمَا تَهْوَى يَكُنْ

فَقَلَّمَا

يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إِلَّا تَحَقَّقَا

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store