Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

حفظ القرآن الكريم في الصدور والسطور معًا (2)

A A
أثبّتُّ في الحلقة الماضية أنّ القرآن الكريم حُفظ في الصدور والسطور معًا في آنٍ واحد، وأنّ ترتيب الآيات، وأسماء السور وترتيبها توقيفي من عند الله، هذا وقد كُتب القرآن الكريم في صحف متفرقة، فبُدِئ جمعه في عهد أبي بكر - رضي الله عنه- سنة 12هـ، وذلك عند استشهاد أكثر من سبعين من قُرَّاء الصحابة في موقعة اليمامة، فقد اشتد ذلك على الصحابة، ولاسيما على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فاقترح على أبي بكر -رضي الله عنه- أن يجمع القرآن الكريم؛ خشية ضياعه بموت الحفّاظ واستشهاد القرَّاء، فتردد أبوبكر أول الأمر، ثم شرح الله صدره لما شرح له صدر عمر، فكان هو أول من جمع القرآن بين اللوحين، وكان أحد الذين حفظوا القرآن كله.. وأوكل لزيد بن ثابت مهمة جمع القرآن باعتباره كان أحد كتبة الوحي، وقد استثقل زيد بن ثابت المهمة، إلّا أنّه حينما شرح الله له صدره باشر بها، وبدأ بجمع القرآن بوضع خطة أساسية للتنفيذ، اعتمادًا على مصدرين مهمين، وهما:

1. ما كُتب أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبإملاء منه، وكان زيد نفسه من كُتَّاب الوحي.

2. ما كان محفوظًا لدى الصحابة، وكان هو من حفّاظه في حياته -صلى الله عليه وسلم-. وكان لا يقبل شيئًا من المكتوب، حتى يتيقن أنّه: مما كتب بين يدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بشهادة شاهدين عدلين. وأنّه مما ثبت في العرضة الأخيرة.

ولم يعتمد زيد على الحفظ وحده، ولذلك قال في حديث البخاري، إنّه لم يجد آخر سورة براءة مكتوبة إلّا مع أبي خزيمة الأنصاري، مع أنّ زيدًا كان يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك، ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة، زيادة في التوثق، ومبالغة في الاحتياط.

وللأسف نجد بعض الباحثين يُرددون مزاعم المستشرق الفرنسي «بلاشير» (توفي 1973) بأنّ القرآن المكي حُفِظَ في الصدور فقط في مكة، وكُتِب فيما بعد لعدم اهتمام النبي بالكتابة في تلك الفترة، ويدحض هذا وجود كُتَّاب الوحي المكي، منهم الخلفاء الراشدون، والأرقم، والزبير، وطلحة، وعبدالله بن أبي بكر.. وغيرهم رضي الله عنهم، وكذلك قصة إسلام الفاروق رضي الله عنه.

وهكذا جُمع القرآن في صحفٍ بإشراف أبي بكر وعمر وأكابر الصحابة، وتنفيذ زيد بن ثابت، وأجمعت الأمة على ذلك، فامتازت بأدق وجوه البحث والتحري، وأسلم أصول التثبت العلمي، وهذا يؤكد أنّه لا يوجد ناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم، لأنّ الذي جُمع في مصحف أبي بكر رضي الله عنه، ما ثبت اعتماده في العرضة الأخيرة، وهو الأساس الذي كان عليه مصحف عثمان- رضي الله عنه-، وهو المصحف المتداول بين أيدينا الآن.

للحديث صلة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store