Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

وصية حمزة شحاتة!!

A A
هذا هلالُ العيدِ أشرقَ فاغتَبِطْ

والبسْ لِمَقْدِمهِ السعيدِ جديدا

بهذه الوصية يبدأ الشاعر الفيلسوف حمزة شحاتة -رحمه الله- قصيدته الوحيدة عن العيد؛ وقد قضيتُ مع هذا الإنسان العجيب المهيب ردحاً من الزمن، غدا فيه أقرب الناس مني، وأكثرهم فهماً لأفكاري، وأقلّهم عتاباً لتقصيري... عشتُ معه زمناً لأعرف أنه لا يمكن أن يدع القصيدة/ الوصية تسير على منوال مطلعها المباشر والروتيني. فهو لن يكون حمزةَ الفيلسوفَ إن لم يطبعْ سحرَ كلماته بنظرته الخاصة للحياة.. هذه الحياة التي أزعم أنه فهمها أكثر مما يجب، فكان ذلك ذنبه، وكانت تلك لعنته فيها.. يقول:

وانهبْ من اللذاتِ قبل

فواتها

ما تستردُّ به الحياةَ

وليدا

أرسلْ لفارهةِ الشبابِ لجامَها

فغداً سيعقبكَ المشيبُ قيودا

العيدُ إذن كما يحاول حمزة أن ينبّهنا، جرسُ تذكير بأن الحياة فرصة لابد أن نعيشها بكل ما نستطيع، لأنه ما نستطيعه اليوم، لم يكن كذلك غداً، وهذه سنّة الحياة التي لا تفي لشيء وفاءها للتغيُّر والتقلُّب وتبدُّل الأحوال:

دعها تردْ عذبَ المواردِ قبل

أنْ

تبغي الورودَ فلا تطيق ورودا

(لاحظوا كيف يقلب - ببراعة- الجذرَ اللغوي: «ورد» عدة مرات، ويشتق منه عدة اشتقاقات، دون أن يُؤثِّر ذلك على سلاسة البيت وتدفُّق أفكاره.. أعتقد أن هذا من أهم سمات شحاتة، التي جعلته سابقاً لمجايليه من الشعراء). والبيت يُؤكِّد أن المسألة ليستْ في الرغبة من عدمها؛ فهذه النفسُ راغبةٌ في المزيد دوماً، لكن الأمر ليس لها، فهي رغم تلهّفها أحياناً لا تطيق الورود، ولا تستطيعه، وهي فكرة عميقة، ومختلفة، في النظر إلى الزهد، تكررتْ في شعر حمزة في غير قصيدة، يقول في هذا المعنى:

علّـلْتُ عجزي بأنه الورعُ

وهل لمثلي في

غيرهِ طمعُ

ويقول أيضاً:

آمالُنا ملء النفوسِ فهل ترى

صَفِرتْ من الآمالِ نفسُ الزاهدِ

وهكذا يمضي حمزة في قصيدته عن العيد مذكّراً بالحياة ومآلاتها:

اليوم تمنحكَ الحسانُ خدودَها

وغداً ستصليك الحِسَانُ صدودا

اليوم، زينُ الصحبِ أنتَ، وشغلُهمْ

وغداً تدبُّ على عصاكَ وحيدا

هذا هو الأمرُ ببساطة، فأنتَ مهما كنتَ، مهما كبرتَ أو صغرت، مهما سعيتَ أو قعدت، لن تُمثِّل أي عائقِ في طريق هذه الحياة التي ستمضي، لأن سنّتها أن تمضي... لذلك عليك أن تكون ممتناً حين يأتيكَ العيد، ليُشعلَ في قلبك شمعة فرحٍ، ويذكّركَ بأن في الحياة لحظاتٍ جميلةً قد لا تعود. فالحياةُ -كما خبرها حمزةُ جيداً- لا تكترثُ لك؛ لا تكترث مَن تكون، وماذا ستكونُ:

فاليوم تُعطيكَ الحياةُ وقودَها

وغداً ستصنعكَ الحياةُ وقودا

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store