Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

ما أشبه الليلة بالبارحة

A A
إن المتابع للمشهد الذي يعيشه الوطن العربي خلال هذه المرحلة الزمنية وما يكتنفه من صراعات سياسية ومذهبية وطائفية يندى لها الجبين حيث نجدها ما تلبث تستقر في دولة حتى تنبعث في دولة أخرى ،حتى داخل الدولة نفسها قلما نجد أن دولة عربية لا تشكو مثل تلك الصراعات التي تتجاذبها ،مرة سياسية ومرة مذهبية ومرة طائفية ،كما وأن الوطن العربي لازال يعيش مرحل التخلف المادي والفكري بكل صوره بالرغم من توفر كل مقومات الحضارة من ثروة بشرية أو طبيعية لكنها غالباً وللأسف الشديد غير مفعلة أو بالأحرى غير مستثمرة ، وقلما تجد أن دولة تتبنى فكراً يقوم على أبناء وطنها دون الرجوع الى الدول المتقدمة حتى أصبحت الدول العربية تستهلك كل شئ في حياتها وما نلمسه من معالم حضارية توحي بأنها تعيش تقدماً حضارياً ماهي غالباً إلا حضارة وهمية تم استيرادها من الخارج أو استيراد حيزها الأكبر من مواد أو كوادر بشرية أو تقنيات حديثة .

وقد أفضى بي تتبع ذلك المشهد المؤلم الى استلهام كل ما درسته عن تاريخ العرب في العصر الجاهلي الذي كان يغلب عليه التخلف بمختلف صوره وتبين لي حجم التشابه بين المرحلتين الزمنيتين بالرغم من تباعدهما إلا أن الصورة لم تختلف الا في أدواتها وآلياتها المتبعة ، حيث نجد المجتمع العربي في تلك الفترة كان قبلياً يقوم على رأس هرمه شيخ القبيلة الذي تتجذر مكانته حتى تصبح حكراً عليه حتى يصبح هو من يعلن التوافق ومن يعلن الاختلاف ، أما أفراد القبيلة فنجدهم يعيشون دوماً حالة الاختلاف والتشرذم ، وبين هذا وذاك نجد أن المجتمعات في العصر الجاهلي كانت تقتات على السلب والنهب والهياط القبلي عبر منصات الشعر حتى أن الكعبة تحولت الى محطة عرض لقصائدهم المهايطية التي أراها تشبه ما يقال في المحافل الاجتماعية داخل المجتمعات العربية في وقتنا الحاضر، ولنا أن نتصور ما ستفضي اليه من نتائج حضارية معلقة عمرو بن كلثوم بالرغم من قوة شعرها وقوة إبداعها الشعري التي يقول فيها :

ونحن التاركون لما سخطنا ،، ونحن الآخذون لما رضينا وإنا المانعون إذا أردنا ،، وإنا النازلون بحيث شئنا

وإنا النازلون بكل ثغر ،، يخاف النازلون به المنونا؟.

ونشرب إن وردنا الماء صفواً ،، ويشرب غيرنا كدراً وطينا إذا بلغ الفطام لنا صبي ،، تخر له الجبابر ساجدينا

فماذا أكسبت تلك القصيدة ومثيلاتها العرب الا زيادة في إشباعهم كذباً ونفاقاً وتخلفاً وتنافراً وتكارهاً وتطاحناً.

ثم يتبقى علينا القول إن حال العرب بالرغم من مرور أكثر من عشرين قرناً تخللها نزول الأنموذج الرباني على يد خاتم الأنبياء والمرسلين لكن للأسف الشديد بدَّلوه فعادوا كما كانوا وما أشبه الليلة بالبارحة .

. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store