Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أحمد أسعد خليل

جابر عثرات الكرام

A A
فلقد كان في أيام سليمان بن عبدالملك رجل يُقال له خزيمة بن بشر من بني أسد، مشهور بالمروءة والكرم والمواساة، وكانت نعمته وافرة، فلم يزل على تلك الحالة حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يواسيهم ويتفضل عليهم، فواسوه حينًا ثم ملوه، فلما لاح له تغيرهم أتى امرأته وكانت ابنة عمه فقال لها يا بنت العم قد رأيت من إخواني تغيُّرًا، وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت، وأقام يتقوت بما عنده حتى نفد، فكان عكرمة الفياض واليًا على الجزيرة، فبينما هو في مجلسه وعنده جماعة من أهل البلد إذ جري ذكر خزيمة بن بشر، فقال عكرمة ما حاله؟ فقالوا: صار في أسوأ الأحوال، وقد أغلق بابه ولزم بيته، فقال عكرمة الفياض فما وجد خزيمة بن بشر مواسيًا ولا مكافئًا؟ فلما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار فجعلها في كيس واحد، وخرج سرًا من أهله، ثم سار حتى وقف بباب خزيمة وتقدم إلى الباب فطرقه بنفسه، فخرج خزيمة فقال له أصلح بهذا شأنك، فتناوله فرآه ثقيلاً، وقال له من أنت؟ قال له ما جئت في هذا الوقت وأنا أريد أن تعرفني، قال خزيمة فما أقبله أو تخبرني من أنت؟ قال: أنا جابر عثرات الكرام، ودخل خزيمة بالكيس إلى امرأته فقال لها: أبشري فقد أتى الله بالفرج، ورجع عكرمة إلى منزله فوجد امرأته قد افتقدته، وسألت عنه، فأخبرها بالقصة كاملة.

وما إن أصبح خزيمة فصالح غرماءه، وأصلح من حاله، ثم تجهز يريد سليمان بن عبدالملك بفلسطين، فلما وقف ببابه دخل الحاجب فأخبره بمكانه، وكان مشهورًا لمروءته، فقال: يا خزيمة! ما أبطأك عنا؟، فقال: سوء الحال يا أمير المؤمنين، ثم حكى له ما حصل من جابر عثرات الكرام، فتلهف سليمان بن عبدالملك على معرفته، وقال لو عرفناه لأعنَّاه على مروءته، وأعطى خزيمة الولاية على الجزيرة، وعلى عمل عكرمة الفياض، فخرج خزيمة متوجهًا إليها، فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلد للقائه فسلم عليه وأمر أن يؤخذ عكرمة وأن يحاسَب، فحوسب، ففضل عليه مال كثير، فطلبه خزيمة بالمال، فقال مالي إلى شيء منه سبيل، فأمر بحبسه، فقال له إني لست ممن يصون ماله لغرضه فاصنع ما شئت، فأمر به فكُبل بالحديد، وبلغ ذلك ابنة عمه، فجزعت فقالت له ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك في مكافأتك له بالضيق والحبس والحديد؟ فقال خزيمة لما سمع قولها واسوأتاه! جابر عثرات الكرام غريمي ودخل فرأى عكرمة الفياض في قاع الحبس متغيراً قد أضناه الضر، فلما نظر عكرمة إلى خزيمة وإلى الناس أحشمه ذلك فنكس رأسه، فأقبل خزيمة حتى انكب على رأسه فقبله، فرفع رأسه إليه وقال: ما أعقب هذا منك؟ قال كريم فعلك وسوء مكافأتي، وخرجا إلى سليمان فأحسن مكانتهما.

بقي أن تثابر لتكون جابر عثرات الكرام متى ما استطعت، ولأن الدنيا لا تبقى على حال مهما زانت أو شانت فاحذر أن تغتر بها، واعمل المعروف وارمه في البحر فلا تدري متى وأين سوف يُرَدُّ لك.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store