Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

القدوة والموعظة الحسنة

A A
في هذه المرحلة الزمنية، يُخطئ مَن يعتقد أن نشر الدعوة إلى عبادة الله وحده، والالتزام بالقيم الفاضلة، وإقامة العدل والمساواة في الأرض، تقتصر على مَن يُطلَق عليهم «الدعاة»، أو مَن يُطلق عليهم «المجاهدون بالسلاح»، وخاصة في ظل واقع الحال الذي تعيشه الدول الإسلامية في هذه المرحلة الزمنية التي أصبح فيها العالم كالقرية الصغيرة، من خلال حالة الانفتاح التقني «المرئي والمسموع والمقروء» التي نعيشها، والتي جعلت سُبل التواصل بين البشر تتم في ثوانٍ معدودة، بل أصبحت تلك الدعوة تتم من خلال القدوة التي يتمثل بها كل مسلم على وجه الأرض عند تعامله مع الغير، كالصدق والأمانة، والعدل والمساواة... وغيرها من القيم الفاضلة، ولاشك بأن ديننا الحنيف قد حثَّنا على أن تكون تلك الدعوة بالقدوة التي كانت تتمثل في رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- كما في قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، كما حث ديننا الحنيف على أن تكون الدعوة بالحِكمة والموعظة الحسنة، بهدف الإقناع والوصول إلى الحقيقة، فقال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، كما نهانا عن الفظاظة والغلظة في الحديث، فقال تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، هاتان الآيتان العظيمتان اللتان تصفان الأسلوب الذي يستوجب أن يلتزم به كل داعية أو أي مسلم كمنهج حياة يسير عليه، وهو ما التزم به كل الأنبياء والرسل عند تنفيذهم لرسالاتهم الربانية، لكن يبدو أن هاتين الآيتين العظيمتين قد غابتا عن بعض الدعاة الموكل إليهم مهمة التوجيه والإرشاد داخل البلاد الإسلامية وخارجها، بل غابت حتى عن الكثير من أبناء المسلمين، حيث نراهم -هداهم الله- يُمارسون الأساليب الفجة القاسية المنغلقة في إطلاق عباراتهم الدعوية، ثم نراهم يُطلقون العبارات المنفِّرة في حديثهم، الذي لا يخلو دائمًا من التشنج والصياح، وهذا ما يتعارض تمامًا مع التوجيهات الربانية التي تضمنتها الآيتان الكريمتان، ولعل المتتبع لواقع بعض الخطب المنبرية في عالمنا الإسلامي يجد فيها الكثير والكثير من تلك المخالفات، التي يمكن أن تكون أساليب تنفير وإبعاد، لا توجيه وإرشاد، حيث نراها تفتقد للحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، ويبدو أن اعتلاء دكّة المنابر أصبح مشاعًا ولا تحكمه شروط أو معايير، لذا نرى أن العديد من منابرنا قد أصبحت متنفسًا للمتشنجين، كمن يدعو على أصحاب بعض المذاهب، ويُطلق عليهم بعض الألفاظ غير اللائقة، أو من يدعو على الكفَّار فيقول: اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم دمَّر أراضيهم، ويتّم أطفالهم، ورمّل نساءهم، وأحرقهم، ومثل تلك الأساليب المنفِّرة، التي يتخذها أعداء الإسلام حُجّة علينا، فيصفنا بالأمة الحاقدة، وبأن ديننا يدعو إلى القتل والدمار، وهذا ما لا يتفق أبدًا وتعاليم الإسلام السمحة. والله من وراء القصد.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store