Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الذكاء والسعادة .. و «نظرية سافانا»

وبحسْب فِهمي، يبدو أن العيش في مُجتمعات مكتظّة بالسكّان، وارتباط الشخص بـمجموعة كبيرةٍ من الناس في مُحيطه بشكلٍ يومي، يؤدّي إلـى تشتت انتباهه واهتماماته، ويرفع من حِدّة توتّره وقلقه الاجتماعي، ويزيد من شعوره بالضيق، ويختصر كثيراً من أوقاته التي يقضيها وحيداً في التأمّل والقراءة والتدبّر

A A
يبدو أن حُب البقاء في عزلة اجتماعية «اختيارية» مرتبط بارتفاع مستوى الذكاء والعبقرية لدى الأشخاص الذين لا يشعرون بالارتياح النفسي مع تعدد الصداقات واختلاطهم مع الناس، ويـختارون تقليص ارتباطاتهم الاجتماعية، فمن خلال دراسة نُشِرت في الـمجلة البريطانية لأمراض النفس (عام 2016) تبيّن أن الذين يتمتعون بصداقاتٍ أقل، هم في الحقيقة أكثر سعادةً وارتياحاً، ويمتلكون مُعدّلات ذكاءٍ أكثر من غيرهم.

وبحسْب فِهمي، يبدو أن العيش في مُجتمعات مكتظّة بالسكّان، وارتباط الشخص بـمجموعة كبيرةٍ من الناس في مُحيطه بشكلٍ يومي، يؤدّي إلـى تشتت انتباهه واهتماماته، ويرفع من حِدّة توتّره وقلقه الاجتماعي، ويزيد من شعوره بالضيق، ويختصر كثيراً من أوقاته التي يقضيها وحيداً في التأمّل والقراءة والتدبّر، كما أن التعامل مع دائرة أضيق من الأصدقاء والتواصل معهم حول اهتمامات مُشتركة وبمستويات مُتقاربة من الذكاء الاجتماعي، يزيد من سعادة الشخص وارتياحه النفسي.

من الـمُلاحظات الداعمة لـما تقدّم، أن سُكّان القُرى والأرياف -بشكل عام- أكثر سعادةً من سُكّان الـمُدن الصغيـرة، وهم بدورهم أكثر سعادةً من سُكّان الـمُدن الكبرى الـمركزية الـمُكتظة، مـما يُكرّس مفهوم «نظرية سافانا» للسعادة، التي تشيـر إلـى أن الإنسان يـميلُ بفطرته إلى الـحياة البِدائية التـي تمتّع بها أسلافنا، حيث الـهدوء وقلة الاختلاط بعيداً عن الصخب.

ترى الكاتبة والباحثة «كارول جراهام»، أن الأشخاص ذوي مستويات ذكاءٍ مُرتفعة ينسجمون مع أنفسهم ولا يعتمدون في سعادتهم كثيـراً على الآخرين، بل يتطلّعون فحسب إلـى التواصل الوثيق بين فتـرة وأخرى، وأن العباقرة يُفضّلون الوِحدة. الـجدير بالذكر أن الدكتور «علي الوردي» رحـمه الله، عالـم الاجتماع المعروف، أشار إلى هذا الـمعنى منذ سنوات عديدة في قوله: « كلّما كان الإنسانُ أكثر اجتماعيةً، كان أقلّ عبقريةً وأكثر ابتذالاً».

في رأيي أن إشارات قوية تؤيد هذا الـمفهوم الاجتماعي، وتفسّر حرص كثيـرٍ من الـمُبدعيـن وأصحاب الفكر على التأمّل والقراءة والكتابة والعُزلة وتـَجنّبهم الحياة الصاخبة، واقتصار تعاملاتهم على عددٍ مـحدودٍ جداً من الأصدقاء، وتُجنّبهم ضغوطات الارتباطات الاجتماعية غيـر الـمُجدية ... يقول الدكتور «مصطفى مـحمود» رحـمه الله: «الإنسان السّوي في حاجة دائماً إلـى لحظات انفرادٍ مع نفسه .. مع فِكْره .. وهي لحظات عزيزة لديه.. لا يـجب أن يقتحمَها عليه أحد».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store