Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

جوائز الإمبراطور بوكاسا!!

A A
• في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي شُغل معظم القادة الإفريقيين بصناعة النياشين، وابتكار الألقاب الفضفاضة لأنفسهم.. ورغم أن واقع بلدانهم -التي كانت تئن تحت وطأة الفقر والجهل والمرض والحروب الأهلية- لا يتواكب مع تلك الأوسمة والألقاب الرنانة، إلا أن حمى الجوائز والألقاب الوهمية كانت في أوجها، حتى أن بعضهم لم يكن يستطيع التنفس من كثرة ما يحمل على صدره من نياشين وأوسمة زائفة خلعها هو على نفسه، ومنهم الديكتاتور الإثيوبي هيلاسيلاسي، وزميله في المهنة جان بوكاسا، والقذافي وجعفر نميري... وغيرهم كثير ممَّن ضللتهم الألقاب عن تنمية بلدانهم، الأمر الذي جعل من القارة السوداء أكثر قارات العالم في النياشين والأوسمة، وأكثرها بؤساً وفقرا.

• أتذكر جوائز بوكاسا وشلّته كلما قرأت أو سمعت عن جوائز الوهم التي أشغلت بعض مؤسساتنا الحكومية، والتي تُمنح كل عام عن طريق المجاملات على مبدأ (جاملني هالسنة، وأجاملك السنة الجاية).. وأقول جوائز واهمة لأنها لا ترتكز في معظمها على واقع ملموس من الإنجازات وتحقيق الأهداف، ولا حتى على أقل القليل من الرضا الشعبي من قبل عملاء المؤسسة، بقدر ما ترتكز على التنظير والشواهد الورقية التي يمكن تزييفها بسهولة!

• البحث عن الثناء والألقاب غريزة إنسانية.. لكن جعلها غاية وهدفاً على حساب الجودة والإنتاجية مشكلة تقع فيها كثير من مؤسسات دول العالم الثالث للأسف، والأدهى أن خطورة هذه الجوائز لا تقف عند حدود تضليل الرأي العام فقط، بل تساهم في تخدير المؤسسة نفسها، حين تتوهَّم قياداتها أنها تسير في الطريق الصحيح، وكأنها تكذب الكذبة ثم تُصدِّقها!.

• ولأن ديوان المراقبة العامة هو الجهة الوحيدة -في رأيي- التي تملك الحق في تقييم أداء المؤسسات والوزارات، فإن إنشاء جائزة موحَّدة ذات مصداقية ومعايير واضحة وشفَّافة يمكن قياسها تحت إشراف الديوان يظل أمراً ضروريا لتقنين هذه الفوضى، مع ضرورة إدخال معيار رضا العميل كأحد المعايير المهمة، خصوصاً في المؤسسات الخدمية، بدلاً من جوائز المجاملات والعلاقات والمصالح المتبادلة، والتي قد تُمنح في كثير من الأحيان لأفضل السيئين.. نظراً لكونها باتت عملاً روتينياً لابد من أدائه والتخلص من عبئه!.

• الجوائز المضللة التي لا تخدم التنمية ولا تُنمِّي العلاقة بين المواطن والمؤسسة يجب أن تتوقف فوراً، ففوز أي وزارة أو إدارة أو مؤسسة حكومية يجب أن يرتبط بمدى ما حققته تلك المؤسسة من أهدافها ومن رؤيتها المعلنة، وبمدى ارتباطها برؤية المملكة 2030، ثم بمدى رضا المواطن عن خدماتها، حتى لا يكون عندنا في جُل مؤسساتنا كولونيل مزيَّف اسمه جان بوكاسا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store