Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

ثلاثية أنقرة: القابلة.. وغرفة الولادة.. والمولود!

أهم نتائج قمة أنقرة، لم ينجزها القادة الثلاثة، وإنما خرجت من واشنطن، بقرار التراجع عن سحب قواتها من سوريا، والمضي قدمًا في محاولة ضبط الإيقاع داخل غرفة الخرائط، حيث تجري وقائع ولادة شرق أوسط جديد.

A A
قبل مائة عام، كانت سوريا هي غرفة الولادة لنظام إقليمي جديد (آنذاك) أصبح معروفًا فيما بعد باسم الشرق الأوسط، الآباء الأوائل للشرق الأوسط القديم باتوا معروفين لنا، بعدما سمحت السنين بكشف هوياتهم، على أنهم (سايكس-بيكو-سازانوف) ممثلو بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية على التوالي.

والآن، بعد أكثر من مائة عام على ولادة الشرق الأوسط، تعود سوريا بموقعها الإستراتيجي، وبتركيبتها الفريدة لتستضيف الولادة الثانية لشرق أوسط جديد.

القمة الثلاثية التي التأمت قبل يومين في أنقرة، حاولت أن تخبرنا بأن الآباء الجدد للشرق الأوسط الجديد، هم روسيا وإيران وتركيا، لكن أمريكا كان لها رأي آخر.

وحده، الرئيس الإيراني روحاني، هو من أعلن عقب انتهاء القمة أن الحرب في سوريا قد انتهت، معتبرًا أن بلاده قد حققت أهدافها في سوريا، وبينما كان الرئيس التركي أردوغان يضم يد كل من فلاديمير بوتين، وروحاني إلى يده، في إشارة على عمق التفاهم، كان المشهد على الأرض في سوريا، وفي دهاليز السياسة في واشنطن، يشير إلى بداية جديدة، لحرب جديدة، بأدوات جديدة، فوق ذات المسرح السوري القديم.

كان لافتًا، صدور بيان ثلاثية أنقرة بشأن انتهاء الحرب في سوريا، بعد ساعات قليلة من أنباء عن قرار للرئيس الأمريكي ترامب بسحب قواته من سوريا (ألفي جندي)، وكان من السهل تفهُّم سرعة تراجع البيت الأبيض عن إعلانه بالانسحاب من سوريا، فبيان قمة أنقرة لم يدع خيارات أمام واشنطن سوى بمواصلة اللعبة فوق المسرح السوري.

انسحاب واشنطن من سوريا، كان سيعني بحسب الخبير الإستراتيجي الأمريكي أنتوني كوردسمان، اعترافًا أمريكيًّا بانتصار روسيا في سوريا، كما يعني أيضا أن بوسع إيران أن تواصل مساعيها للهيمنة الإقليمية، دون خوف من حضور أمريكي قادر ولو بالرمز على لجم طموحاتها.

بعض الودعاء الطيبين في إعلامنا العربي، اعتبر أن صورة القادة الثلاثة بوتين وأردوغان وروحاني متشابكو الأيدي قرب انتهاء قمتهم بشأن سوريا، هي إعلان انتصار ثلاثي، وتحالف بين قادة روسيا وتركيا وإيران، لكن ما يجري قد يكون مختلفًا بدرجة كبيرة، فالتفاهمات التي أنجزها القادة الثلاثة بشأن سوريا، مرحلية، تتعامل مع ظرف متغير، وتتناول إجراءات موقوتة، فضلا عن أن المصالح الإستراتيجية لأطرافها، تبدو متناقضة.

على المستوى الإستراتيجي، يتطلع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين إلى تحقيق هدفين أساسيين، أولهما، تفكيك الناتو، وثانيهما تفكيك الاتحاد الأوروبي، ويدرك بوتين أن عملية تفكيك الناتو، قد تستغرق سنوات طويلة، لكنها ينبغي

أن تبدأ، وهذا ما يفعله الروس في علاقتهم بتركيا، صاحبة ثاني أضخم جيوش الناتو بعد الولايات المتحدة.

كلما اقتربت تركيا من روسيا ابتعدت عن الناتو، وكلما انخرطت في علاقات تعاون عسكري مع موسكو ضعف ارتباطها العسكري بمنظومات التسلّح في حلف شمال الأطلسي. وربما يُفسِّر هذا سر الموافقة الروسية السريعة على تزويد تركيا بمنظومة الدفاع الجوي المتطورة إس ٤٠٠، ثم بتوقيع اتفاق بناء محطة نووية في تركيا، بشراكة روسية بنسبة 49%.

نقل تكنولوجيا السلاح والطاقة، يعني أن ثمة حالة اعتماد طويلة الأمد، لدى الطرف الذي حصل على تلك التكنولوجيا، وأن ثمة مفاتيح للنفوذ والتأثير لدى الطرف الذي يقدمها، وهذا ما يجري في اللحظة الراهنة في علاقات روسيا وتركيا، وما انعكس في قمة أنقرة الأخيرة بشأن سوريا.

أهم نتائج قمة أنقرة، لم ينجزها القادة الثلاثة، وإنما خرجت من واشنطن، بقرار التراجع عن سحب قواتها من سوريا، والمضي قدمًا في محاولة ضبط الإيقاع داخل غرفة الخرائط، حيث تجري وقائع ولادة شرق أوسط جديد

.

الروس والأمريكيون هم الآن في غرفة الولادة، وغرفة الولادة في سوريا، والمولود المرتقب، شرق أوسط جديد، مجهول النسب، أقل استقرارًا، وأكثر تشوّشًا وارتباكًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store