Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

إشكاليات نقد الخطاب المُنجز المخالف للخطاب المُنزَّل (2)

A A
بيّنتُ في الحلقة الماضية إشكاليات نقد الخطاب المُنجز لمخالفته الخطاب المُنزّل، لشيوعه ورسوخه في الأذهان لتناقله بين الأجيال حتى اعتبره البعض من الثوابت، وهو المُفسّر الوحيد للنص القرآني، ولا يلتفتون لمخالفته له، بل لا يحاولون إعادة قراءة النص القرآني لاكتشاف ما في الخطاب المُنجز من أخطاءٍ واضحة للعيان، والأمثلة كثيرة، منها الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم.

ومن أخطاء الخطاب المُنجز مفهومه عن الجهاد، فقد فسّروه بمقاتلة المناوئ للدعوة، الذي لا يريد أن يدفع الجزية، والذي لا يريدك أن تنشر الإسلام، هذا هو المعنى الذي فهموه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله...» (رواه البخاري ومسلم).

ولكن هذا الحديث تنفي صحته الآيات التالية: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ) (يونس: 99-100)، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) (الكهف:29)، (َلكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون:6)، (لوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا (الرعد:31)، (إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت) (القصص:56)، (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) (الغاشية:22).. فالخطاب المنجز أخذ بهذه الرواية لاعتقاده بصحة جميع أحاديث الصحيحين، حتى المخالف منها القرآن مثل هذا الحديث.. إضافةً إلى مخالفته للواقع التاريخي، فهذا الحديث لا يتفق مع «وثيقة المدينة» التي عقدها الرسول عليه الصلاة والسلام مع سكانها آنذاك، والتي تضمنت بنودها احترام حرية التديُّن لسكان المدينة على اختلاف دياناتهم.. ولم يذهبوا إليهم في مكة المكرّمة لمقاتلتهم؟.. وهم بقولهم هذا يُعزِّزون فرية نشر الإسلام بحد السيف، لأنّه حصر مفهوم الجهاد في سبيل الله بالقتال في سبيل نشر عقيدة التوحيد، ومجاهدة الكفار بدعوتهم وقتالهم، فالإسلام لم ينتشر بالقتال، وإنّما بحسن المعاملة، بدليل دخول كثير من البلاد الآسيوية والإفريقية في الإسلام عن طريق التجار المسلمين، فلم تكن غاية الفتوحات الإسلامية فرض الإسلام، وإنّما كانت غايتها حماية دولة الإسلام في الجزيرة العربية من الأخطار التي تهددها من الإمبراطوريتيْن الفارسية والبيزنطية ، حتى اللغة العربية لم تُفرض عليهم بدليل أنه لم يتم تعريب الدواوين إلّا في سنة 100هـ، أي بعدما تعلم سكان البلاد المفتوحة اللغة العربية نتيجة اختلاطهم بالقبائل العربية التي رافقت الجيوش الفاتحة، واستقرت في تلك البلاد.

* الخطأ في مفهوم الحور العين:

الصورة التي صوّرها الخطاب الديني للحور العين بأنّهنّ نساء يفوق جمالهن الوصف وعد الله بتزويجهن لأصحاب الجنة من الرجال، استغلت الجماعات الإرهابية المسلحة هذه الصورة في التغرير بالشباب، ودفعهم لقتال من كفّروهم من المسلمين، وقيامهم بعمليات انتحارية، فهم يُقاتلون ليس في سبيل الله، ولكن من أجل إشباع شهواتهم في الدنيا، باغتصاب مَن يقع في أيديهم من نساء، وفي الآخرة، بالفوز بحور العين، والمتأمل في الآيات الوارد فيها الحور العين نجد أنّ القرآن لم يحدد ماهيتهم، فجاء في وصفه لهم (كأمثال اللؤلؤ المكنون)، فلم يحدد هنا ماهيتهم، بينما حدّد ماهيتهن عند وصفه لنساء الجنة بقوله: (كأنهن بيض مكنون) أمّا قوله: (وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) تعدَّت بالباء، فانتقل المعنى من الزوجية الدنيوية إلى الأُنْس بالجمال الذي هو قمة ما نعرف من اللذات، ولا علاقات جنسية في الآخرة؛ لأنّنا سنُخلق خَلْقًا جديدًا غير هذا الخَلْق الذي نعيشه، وهذا المعنى هو الذي يتفق مع حال أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام، فكانا زوجيْن في الجنة، ولكنهما لم يتناسلا إلّا عندما خرجا منها، فعندما وسوس إِليهما الشيطان ظهرت سوآتهما أي كانتا مخفية غير ظاهرة تمهيدًا لخروجهما من الجنة.

للحديث صلة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store