Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

استثناء الكيماوي من حرق شعب!

إضاءة

A A
لكل من استساغوا سخافة الضربة المنتظرة، ولكل من ينتظرون دفن جثة المهزلة، غير آبهين بآلاف الأسئلة.. ولكل من استسلموا للتصريحات التي جاءت قوية، وتحولت لنكات مخجلة! لكل هؤلاء وغيرهم نقول: إنه الفراغ العقيم، والمدار الأثيم، لأمة من هموم، لم تعد تستطيع رفع اليد، ولا تستطيع الدخول إلى الغد!

والحكاية باختصار، أن روسيا كما إيران استمرأتا الذبح، والأمم المتحدة ومجلس الأمن استمرءا الاكتفاء بالتحذير، وأن بشار الأسد وعصابته استمرأوا التلذذ بالفيتو! فجأة جاء حبل الإنقاذ ليس للشعب السوري المحترق بالكيماوي، وإنما لحفظ ماء الوجه للسادة المتفرجين على عمليات الحرق!!

لقد جاء الموت بالكيماوي هذه المرة على الهواء، وغسل من لم يمت بالماء، ليس لإنقاذه، وإنما لإعداده مرة أخرى للسلق! هل رأيتم شعبًا عربيًّا يُسلق على الهواء؟!

تبادل القوم التهنئة بقرب الضربة الوشيكة، ولم يسألوا لمن؟! فالمهم أن تذهب الكاميرا بعيدًا عن أجساد الأطفال الذين احترقوا بالكيماوي، وأولئك الذين يتم غسلهم وتهيئتهم للموت ولكن بطريقة أخرى! هناك الذبح، وهناك التدمير ووالحرق، والتجويع حد الموت.. وكلها خيارات يقبلها المجتمع الدولي، ولا تحرج السادة المشاهدين!

لقد مضت الأمور في البداية على النحو التالي:

فريق يتحدث عن ضربة وشيكة وموجعة لبشار وعصابته، وصواريخ ذكية وجميلة وملونة، وسفن وراجمات تجوب البحار. وآخر يتحدث عن التمسك بنظام «شرعي» وخطورة تأديبه، والاستعداد للحرب من أجله!

شيئًا فشيئًا خفت أو تغيرت حدة وطبيعة تصريحات الفريق الأول إلى أن وصلنا أمس إلى «ضرورة تحذير روسيا»، و»خطورة تحركاتها في سوريا»، و«السعي إلى تجنب نشوب حرب»، و«ضرورة إرسال مفتشين كيماويين»! فيما تصاعدت تصريحات الفريق الثاني إلى حد «الاستعداد لأي ضربة بل لأي استعداء»، و«الكف عن التحرش ببشار»، و«الاستعداد لاستقبال المفتشين؛ لأن استخدام الكيماوي محض افتراء»!

والحق أن القوى العالمية الكبرى، وصلت على ما يبدو إلى الحل.. وهو منع استخدام بشار الأسد استخدام السلاح الكيماوي في حرق الشعب مرة أخرى!

يحدث ذلك، فيما يتمسك السادة المتفرجون بمقولات السماسرة والزمن المنفض البكارة، من قبيل الالتزام بالفرجة لأن من يسع إلى شيء ولو كان حريته وكرامته سيصل إلى عكسه! ومن يحاول الوصول أو الحصول على حقه، سيذهب ضحية له! وأنه لا وقت لأي شجاعة مختبئة، ولا لأي بسالة مطفئة!

هكذا مازلنا في مواجهة اللصوص، نتسلح بالنصوص، وفي مواجهة السماسرة، نحذر بعضنا من التهور والمغامرة، وفي مواجهة التصريحات المنهمرة والأقاويل نتمسك بالتآويل!

نسينا أن الوعد السابق بشهر واحد لرفع الظلم عن الشعب وإزاحة بشار.. صار عامًا.. ثم عامين.. وهذا عام خامس أو سادس، فيما نمارس الصمت المتخارس! نسينا أننا ضيعنا من أعمارنا الكثير والكثير.. تارة في الانتظار.. وثانية في التحليل والتأويل.. وثالثة في فهم التفاسير.. فهل آن الأوان لنفهم ونستوعب ضرورة أن نتنبه إلى من يمارسون استغلال صمتنا وانكفائنا ويدمنون اللعب؟ وهل آن الأوان لكي يكف بعضنا عن التلاوم والمعايرة والعتب؟ ويكف بعضنا الآخر عن التفتيش في القواميس وفي الكتب عن أي شيء يجب؟!

الواجب واضح ومعروف ولم يكن يومًا في الحواشي أو الهوامش.. الواجب أن نستبدل هذا الصوت المتردد والراعش.. الواجب أن نتخلى عن تقسيم أمتنا بين منهوش وناهش!

أخيرًا، في خلفية المشهد العربي التي كان ينبغي أن تكون هي الواجهة، كان القصف يتواصل على غزة، وكان الرصاص الصهيوني يعربد في أجساد الشباب على ما يسمونه الحدود!

في الخلفية كانت الوقاحة الحوثية التي هي في الأساس وفي الواقع المَعيش إيرانية، قد وصلت إلى حد توجيه صواريخ وطائرات دون طيار للمدن السعودية.

في الخلفية، كان مصدر إثيوبي يُحَمّل القاهرة مسؤولية فشل مفاوضات سد النهضة؛ لأنها جاءت باتفاقية تمنع تعطيش القرى والمدن المصرية!

في الخلفية، يلوح من بعيد، حلم عربي تليد.. مرسوم على الخريطة.. من المحيط إلى الخليج.. هاهو يسطع ويشف.. ويقينًا لن يجف.. لن يجف!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store