Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

فلسطين.. النضال بالفنون كما ينبغي أن يكون!

إضاءة

A A
في كل مرة أتهيَّأ للكتابة في أي موضوع آخر سوى فلسطين، يتملَّكني الضجر وتُصيبني الكآبة! وفي كل مرة أُحاول الابتعادَ عنها والخروجَ من أسرها، أحسُّها تشدُّني!

آه يا فلسطين.. أُدرك أن الصمت ميزان الخيانة والمجون.. وأنه بالفعل مقصلة لكل الأقلام الماجنة والخائنة.

والحاصل أنني قررتُ الكتابة عن اختيار سيَّدة مسلمة أعرفها، والتقيتُ بها رئيسة للبرلمان الإثيوبي، لأول مرة في تاريخ تلك الدولة الإفريقية الصديقة أو الشقيقة، قبل أن يجذبني مشهد آخر أكثر روعة.. كانت أمهات فلسطين يغزلن بأناملهن عروق العودة!

والحق أن عودتي سريعًا لفلسطين، رغم روعة وجمال مشهد الإثيوبية المناضلة «مغريات كامل»، وهي تجلس على كرسي رئاسة البرلمان، الذي هو صوت الشعب، أو كما ينبغي أن يكون، لم تكن صعبة، ولم أُعاني خلالها كثيرًا.. فـ»مغريات» ظلَّت تُناضل حتى تحرَّر إقليمها وتحرَّرت بلادها من الظلم والطغيان، ونساء فلسطين يسعين لذلك ولسوف يكون.

كانت نسوة فلسطين يلتففن حول خريطة الوطن التي سيغزلنها.. لا ليقتتن من مُوجعات المحن، ولا يشربن أثناء تطريزها من حسرات الزمن.

كانت أمهات وبنات فلسطين يشددن أزر المؤمنين بعدالة القضية.. بأقوى وأمضى سلاح.. سلاح الأمل.

بين كل تطريزة وأخرى.. تبدو قُبّة الصخرة ومآذن الأقصى.. كـ»نور الأقاح».. يهش لـ»نور الصباح».. صباح الكفاح.. صباح العمل.

هنا في هذه المدينة، تتابع الاستيطان موجًا بعد موج... وهنا في تلك القرية تساقط الشهداء فوجًا إثر فوج.. وهنا صور من الماضي البعيد.. تطل تارةً وتختفي أخرى.. وتعود تظهر من جديد.. سبعين عامًاً أو يزيد.

هنا جديلة عشب معقودة.. وهنا آهات عشق ممدودة.. وهنا لصوص وكلاب.. وجيوش جراد محشودة.

هنا مضى مَن اختاروا الحياة.. في ظلال العزّ والمجد أُباةً.. وهنا من استسلموا ويُروِّجون الآن لمعايشة الطغاة.

هذه أُم رمت خوفها وتحدَّت.. وهذه أخرى قدَّمت فلذات أكبادها وتصدَّت.. وهذه ثالثة تُنادي ابنها: يقينًا ستأتي البلاد التي حين اختلفت اختفت أو خفت.. والتي خلتها ذهبت.. لكنها جاءت كخريطة أو كجنّية تحتل قلبك.. فانهض واستعد.

إنهن يُلوِّحن للغيوم كي تحط.. وللنجوم كي تدنو.. إنهن يرسمنها على الأرض، ويُعلقنها على الجدران.. ممسكات بالأقلام.. وبالأحلام.

قبلها.. قبل رسم خريطة عروق العودة، كان الشهيد الفنان النحَّات «محمد أبوعمرو» بطاقة الصمت والفن المكنون.. وبريق العودة وصلابة المقاومة، يرسم لوحة فريدة في معرض الاستشهاد الفلسطيني المفتوح.

في نفس اليوم، كان الزميل المُصوِّر الصحفي «ياسر مرتجي»؛ يرتجي الشهادة على الشاشة.. في كفّيه جرح، وعلى الصدر وفي الوجه علامات مدهشة وغريبة.. وآثار مقاومة وصلابة.. ودلالات عميقة وطيبة.. وخريطة أكثر جمالاً وعذوبة.

تهتف فتاة فلسطينية وهي تشير إلى نقطة أو دائرة في الخريطة: هنا سيمضي الأبناء براية النصر المؤزر.. وبأياديهم لواء الحق والعدل معقود مظفّر.. وهتافنا يعلو ويعلو قائلاً: الله أكبر!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store