Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

أرض مصر الشراقي.. لا ترويها إسرائيل!

إضاءة

A A
لن أقول: تعطش مصر أو تجوع ولا تأكل من يد إسرائيل، وغير ذلك من الكلام الكبير أو المرير.. مناسبة المقدمة الصادمة هي ما أُشيع ويُشاع عن زيارة رئيس إسرائيل رؤوفين ريفيلين لإثيوبيا وربطها بالتدخُّل أو التوسُّط في مشكلة النيل!

لا الرأفة ستأتي من خلال إسرائيل، ولا العكارة سيقبلها النيل!

هذه واحدة.. والثانية، أن إسرائيل قد تملك مفاتيح الكرار، لكنها رغم ذلك لا تملك مفاتيح القرار.. والكرار لمن لا يعرف هو مخزن الطعام الذي سلَّموه في الأمثال الشعبية للص في تحذيرٍ عام لتسليم كل ما هو ضروري وثمين لعيّنةٍ من البشر، مثل رؤوفين!

في ضوء ذلك، يصبح السؤال هنا هو: مَن يملك مفتاح الحل لأزمة النيل في مصر؟! والإجابة السريعة والصريحة والعلمية والعملية: هم المصريون!

وحدهم المصريون يملكون حل أزمتهم مع إثيوبيا، لا مع النيل.. بل إن مصر لو سألت النيل لقال لها: يقيناً سأعود وأجثو عند بابك.. وستقول وروده وأنغامه سنشدو في رحابك.. وسيعود الفرح والقطن والقمح فيض لشبابك!

ستقولون إنه محض غناء! وسأجيب إن أهلنا في الدلتا وفي بني مزار علَّمونا أن «الدم عمره ميصير مية» و»أن الزمن دوَّار» وأن مَن يشرب مِن النيل سيعود إليه» و»أن الشفعة حق الجار».

مصر لديها مخزون معلوماتي هائل في قلب سفاراتها بأديس أبابا وبالخرطوم وبكمبالا، بل ومقديشيو، عن كل نقطة ماء.. ومصر لديها كتيبة من كتائب السياسة الإفريقية والدبلوماسية والدهاء.

بمناسبة مقديشيو أقول: إن الصومال رغم عدم اشتراكه في حوض النيل كان وسيظل رمّانة الميزان في المنطقة، فهل أخذته مصر في الاعتبار؟.

ولماذا تتأرجح علاقة مصر كل عصر، ولا أقول كل يوم بالسودان؟.. ونفس الكلام عن أوغندا وغيرها؟.

أريد أن أقول: إنك كي تضمن الأمان للنيل، لابد أن تضمن له الجريان الجميل والنبيل.. فالنيل ليس مجرَّد وعاء أو ماء يسقي الزرع ويُولِّد الكهرباء.. إنه يسعى لري الأرواح وتواصل البشر وجمال الحياة.

إن فعل أهل النيل ذلك، فلن يصبح النهر يوماً ساحة خلاف أو ميدان حرب.. وفي ذلك أقول لكل الذين يتصورون أنه باستطاعتهم تغيير الحال: النيل هو الذي يُغيّركم ويُبدِّلكم.. نعم يُبدِّل مَن حوله ويُحيل حياته إلي نكال!

ولأنه هبة الله، فإنه قادر على أن يكشف أي محتال، وكل محاولة غدر أو سمسرة أو احتيال.. بمناسبة الاحتيال.. هل تعلم أن المشكلة في الجانب الأكبر منها هي التجارة في الكهرباء لا في الماء؟!

النيل يتظاهر بالتجاهل أو التغافل.. لكنه يشتبّه.. فاذا اشتبه انتبه! وإذا انتبه لأي تاجر أو سمسار أو زائر لص.. يقيناً سيقتص!

لا تتصور يوماً أن النيل سيسكت عن ظلم مصر، أو حرمانها من مياهه، وهو الذي يُحبّها ويعشقها ويمضي نحوها متجاوزا البحيرات إلى بحر الغزال، ثم يعبر دنقلة القديمة مخترقاً الجبال، مستهدفاً حبيبته المنتظرة له هناك في الشمال.

ضحكتُ وفرحتُ لتصريح رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الإفريقية بالقاهرة.. أما مصدر الضحك فهو أن الرجل يُدعى عباس شراقي.. والأرض الشراقي في وجداني ووجدان كل الفلاحين أمثالي هي الأرض المتعطِّشة للماء بعد الحصاد.. وأما مصدر الفرح فهو أن العقول المصرية الواعية والمستوعبة أكثر من أن تُعَد.

يقول الرجل: إنه لولا التراجع العربي في إثيوبيا، ولولا التخلي المصري عن ريادة إفريقيا، لما حدث ذلك!

وأعود فأقول: إن حصة مصر في النيل لا تحتاج إلى وثائق أو خرائط أو دليل، لكنها أيضاً لا تحتاج إلى صراخ أو صياح أو عويل.

حصة المحروسة في النيل الذي يحرسها ويحميها كاملة غير منقوصة تحتاج إلى كتيبة أو سلالة مصر السياسية التي تأبى العبثية.. وهي مازالت موجودة وباقية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store