Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

الحج قديما

A A
من عجيبِ المرويِّ في أخبارِ الحجِّ والحجيج أنَّ رجلاً مسناً كان يطوفُ بالبيتِ حاجاً، فسأله طائفٌ آخرُ: من أيّ بلدٍ أنت؟ فذكر بلداً بعيداً، فقال له: ومتى خرجتَ من بلدك؟، فقال: أترى رأسي هذا؟ أفيه شعرة سوداء؟ قال: لا، قال: خرجت من بلدي وما في رأسي شعرة بيضاء وأنا الآن ليس فيه شعرة سوداء!.

لقد أمضى عشراتِ السنين في طريقه إلى الحجّ! أبطأ به بُعد الطريقِ، وقلةُ النفقة، واضطرابُ الأمنِ، ووعورةُ المسالك.

وحتى في البلدانِ القريبةِ لم يكن الأمرُ سهلاً، فقد رصد (إسماعيل جغمان اليمنيّ) في كتابه، تفاصيل رحلته من صنعاء إلى مكةَ للحجّ سنة 1241هـ قبل أقلّ من مئتي عامٍ، فذكر أن رحلته استغرقتْ شهرين كاملين ، كانت مليئةً بالمخاطرِ والأهوال، حتى قال: «أكثرنا من نطق الشهادة»!.

بل إلى ما قبل ثمانينَ سنةً تقريباً ورحلةُ الحجِّ محفوفةٌ بالمخاطر، وقد نشرت جريدة المدينة قبل أكثر من سنتين مقابلة مع مسنٍّ جنوبيٍّ حكى فيها قصة حجّه، وذكر أن الرحلة من ديرته إلى مكة كانت تستغرق يومين بالسيارة، وعشرة أيامٍ مشياً! ولصعوبة الطريق فقد كان يتوجب على من يريد الذهاب للحج أن يكتب وصيته، ويجعل أولاده في أيدٍ أمينة!، وذكر أنهم في طريقهم إلى مكة وجدوا الطريق مسدوداً بالرمال تماماً، واضطروا إلى العمل 4 ساعاتٍ ليفتحوا مساحةً تمر منها سيارتهم!.

هكذا كان الحجُّ إلى بيتِ الله الحرام محفوفاً بالصعوباتِ، محاطاً بالمخاطرِ، يحتسبُ فيه الحاجّ نفسه وماله، يخرجُ ولا يدري هل سيصل أم لا، وإذا وصل هل سيرجع إلى أهله سليما أم لا؟.

وكم قرأنا في أخبار الأولين عن المشاقّ، وقطَّاع الطرق، ونقص المياه، والتيه في الصحاري، ولدغِ الثعابين السامة، وغير ذلك مما تحفظه ذاكرةُ الحجِّ في الماضي القريبِ والبعيدِ.

ويصفُ إبراهيمُ رفعت صاحبُ كتابِ (مرآة الحرمين) أحوال الأمن ِفي مكةَ في مطلع ِالقرن العشرينَ أنه من يريدُ زيارةَ جبل ِالنور ِأن يحمل َالماء َالكافي وأن يكون َالحجاج ُعلى شكل ِجماعات ٍ يحملون السلاحَ حتى يدافعوا عن أنفسهم من اللصوص. وتأكيداً لما ذكره صاحب كتاب «مرآة الحرمين»، يذكر محمد كردي في كتابه «التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم»، اشتعال عدد من الفتن خلال موسم الحج، ويذكر أنه في عام 1326هـ اشتعلت فتنة بين الصفا وباب الوداع وترامى الطرفان بالرصاص نتج عنها قتلى بين الطرفين.

وقد تغير كل ذلك بفضلِ الله ثمّ بفضل الجهودِ الهائلة التي بذلتها المملكةُ لتسهيلِ وصولِ الحجاجِ، وأدائهم مناسكهم، وعودتهم إلى ديارهم سالمين. وهي إذْ تفعلُ ذلك لاتمنُّ به على أحدٍ، بل تراهُ واجباً عليها تتشرّفُ به وتعتزُّ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store