Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

السعودية.. تغييرٌ سريع ومواكبة اجتماعية مطلوبة (٤)

A A
ماذا نقصد بـ «المواكبة الاجتماعية المطلوبة» في معرض الحديث عن التغييرات الشاملة التي تشهدها المملكة؟، قد يكون جديراً الحديث بشيء من التفصيل في هذه القضية، بدلاً من الإشارة إليها بتجريدٍ وعمومية تغلبُ على ثقافتنا. فلنمضِ في هذا المسار خلال هذه السلسلة، ولو بتفصيلٍ موجز يحتمله مقام المقال الصحفي. ولكن، بعد مقدمةٍ يقتضيها الموضوع.

ذكرنا في المقال السابق أن القرار السياسي وحده لايمكن أن يضمن، عملياً، إنجاز سيرورة التغيير المنشودة. وأشرنا إلى أن الهياكل الرسمية البيروقراطية التقليدية لايمكن أن تستوعب تلك القرارات وتنفذها بشكلٍ فردي. يسري هذا في مجتمع المملكة كما يسري على كل مجتمع آخر.

من المهم ابتداءً توضيح عنصرٍ يؤكده الواقع بشكلٍ واضح. لأنه يظهر أن شرائح واسعة في المجتمع السعودي منفتحةٌ نفسياً لرؤيةٍ جديدة تتعلق بكل شؤون الحاضر والمستقبل. وأنها مُستعدةٌ لسيرورةٍ مختلفة وأسلوب مغاير لتحقيق أهداف التغيير. وهذا عاملٌ حساسٌ جداً، لأن غياب الاستعداد النفسي لمثل هذا المفصل الاجتماعي التاريخي يمكن أن يكون العائق الأول الأساسي أمام العملية المذكورة. فالغياب المذكور سيخلق بالضرورة مواقف فكرية وممارسات عملية، سلبية، لن تنفع معها أي قرارات سياسية أو حتى قوانين وأنظمة إدارية تنتج عنها.

ثمة إضافةٌ حساسة لابد من الحديث عنها، بشفافية وصراحةٍ ووضوح، ليكون الطرح شاملاً وواقعياً.

فمن المؤكد، مثلاً، أن ثمة شرائح في المجتمع ترفض الرؤية الجديدة. وهي، انطلاقاً من ذلك، ليست منفتحةً نفسياً لها، ولاهي مستعدةٌ لقبول سيرورة مختلفة وأسلوب مغاير يتعلق بعملية التغيير الاجتماعي. والمهم هنا، جداً، أن ندرك أن الرفض المذكور ليس عناداً ورفضاً طفولياً بهدف الرفض فقط. وإنما ينبثق من تاريخٍ يرتبط جذرياً بمرحلتين من الماضي، قديمة على مدى قرون وتتعلق بثقافة إسلامية عامة، وقريبة تتعلق بتاريخ المملكة في العقود الماضية. وهذه ثقافة لاتؤمن فقط بأن الإسلام هو منهج حياةٍ على المستويات الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل تؤمن بتفسيرٍ محدد يحكم تلك الحياة وُفق قوالب معينة نتجت عن قراءةٍ تاريخية حصلت منذ قرون. وهي قراءةٌ تختلط فيها، بفوضى بالغة، دوائر الثوابت بالمتغيرات والأصول بالفروع والكليات والجزئيات. كما جرى فيها، تدريجياً، تقديس كلام البشر واجتهاداتهم وفتاواهم. مع ما صاحب ذلك، في القرن الأخير تحديداً، من كسلٍ ذهني وفكري وعلمي في مجال ربط قيم القرآن الأصيلة بدور الإنسان في الحياة، وبقدرته اللامتناهية على استيعاب التطور الهائل للمتغيرات البشرية، واستيعاب أدواتها الجديدة اللغوية والعلمية والنظرية، لاستخراج مايُحقق تلك القيم في كل زمان ومكان، ويُثبت، حقاً صلاحية الدين لكل زمان ومكان، من خلال تلك العملية بالتحديد. وهو مايدعو القرآن الكريم نفسه إليه بتفاصيل كثيرة كتبنا عنها مراراً في هذه الصحيفة، ويمكن العودة لمظانها في هذا الإطار.

أنتجت هذه العملية المعقدة خوفاً من التغيير بأي درجةٍ من درجاته، وكان من أبرز تعبيرات ذلك الخوف: الخوفُ على (الإسلام) نفسه، ولكن بمعادلةٍ تقول إن أي مراجعة وتغيير ستؤدي لتحريف الدين، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة أسس المجتمع وخلخلة الروابط الاجتماعية والقيم الأخلاقية فيه، وصولاً إلى وقوعه، تدريجياً، على مستوى الأفراد، في مسارٍ يودي بهم إلى النار.!

نحن هنا بإزاء تصورٍ معرفيٍ كامل لانتيجة له، عند أصحابه، سوى خسارة الدنيا والآخرة بشكلٍ نهائي!

وإذا كان وجود الاستعداد النفسي للتغيير، ورؤية شرائح المجتمع المتقبلة له، كما ذكرنا أعلاه مقدمةً أساسية لحصوله، وكان غيابه «سيخلق بالضرورة مواقف فكرية وممارسات عملية، سلبية، لن تنفع معها أي قرارات سياسية أو حتى قوانين وأنظمة إدارية تنتج عنها»، كما ذكرنا أيضاً. فكيف سيكون الحال مع شرائح غير مستعدة له ولاترى آفاقه الإيجابية، للأسباب المطروحة أعلاه؟

ماذا يعني هذا؟ إنه يعني الحاجة لمغادرة تعامل من يهمهم الأمر مع المسألة من مداخل التصنيف والفرز، القائمة بدورها على (المشاعر) و(العواطف) و(الانطباعات)، ومن مدخل الحماس الكاسح للتغيير. وبالتالي، الانتقال إلى رؤية أكثر شمولاً وأوسع صدراً وأكثر هدوءاً، وإلى استخدام مداخل وقنوات وأساليب مبتكرة لتشكيل تجانسٍ وطني، تُسمى بمُجملها، تجاوزاً، بالنقلة المعرفية أو مايُسمى بالإنجليزية Paradigm Shift.

لنا أن نتصور النتيجة لمثل تلك النقلة حين يكون من مضمونها ماذكرناه سابقاً من أنه «حين تؤمن قاعدةٌ عريضةٌ من أبناء أي شعب بأن استقرار النظام السياسي في بلدها يُعبّرُ عن مصالحها، وأن في تغييره تهديداً لتلك المصالح. وحين تشعر تلك القاعدة بأنها، بهمومها وتطلعاتها وطاقاتها، باتت رقماً أساسياً في معادلة صنع السياسات، يصبحُ أقربَ للمستحيل زعزعة استقرار البلد، أو تهديد أمنِه، مهما كانت التحديات الخارجية كبيرة».

لامشاحة في القول بأن النتيجة ستكون أقرب للسحر من حيث نتائجها. وللحديث بقية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store