Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

صورة الأقصى أم الهيكل.. «بص على العصفورة»!

إضاءة - معدل

A A
تبدأ كل المحطات التاريخية في إسرائيل بفرية أو رسالة، وتبدأ كل المآسي العربية بصورة أو بعصفورة! عن المأساة العربية في فلسطين أتحدَّث.. وآخرها صورة للمسجد الأقصى التي محتها إسرائيل، ووضعت مكانها صورة الهيكل المزعوم، وأهدتها السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان!

فإن تقبلها الرجل بفرح وغبطة، فقد أصبحت واقعًا، وإن أثارت ضجة، وانشغل العرب بالنظر إلى العصفورة، يكون التوضيح الذي هو في الأغلب الأعم أسوأ من الواقع! ويكون التجهيز قد تم لحادث أكثر سوءًا!

قال السفير إنه لم يكن يدرك أن اللوحة التي قدمت إليه مفتوحة لا يظهر فيها الأقصى، وقالت السفارة الأمريكية التي هي في القدس المحتلة أصلًا: إن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية «واضحة»، وهي الحفاظ على الوضع القائم في «جبل الهيكل»!

وعلى طريقة المثل المصري الشعبي: «بص العصفورة»، تشغلك إسرائيل بشيء فرعي قد يبدو بسيطًا، تجهيزًا أو تغطية أو تعمية لحادث أخطر! وحتى تهدأ الضجة الجماهيرية أكثر وأكثر عن نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، عليك أن تنشغل قليلًا بالمسجد الأقصى من الصورة المهداة للسفير الأمريكي، وبعدها بشهور أو سنوات قليلة ستنشغل بعصفورة أخرى؛ بحيث تتم إزالة أو إحراق الأقصى من فوق أرض الواقع.. وكل ما عليك كعربي في هذه المرحلة أن «تبص على العصفورة»!

بعيدًا عن ذلك تاريخيًّا، وقريبًا منه سياسيًّا وواقعيًّا، حدثت نفس المزحة أو البصة على العصفورة، فمنذ قيام دولة إسرائيل ومع ظهور مصطلح «وطن قومي لليهود في فلسطين»، تعددت التفسيرات والتوضيحات، حتى يكون من المهم للعرب أن يتابعوا العصفورة، خاصة أن هناك فرقًا بين قيام «دولة»، وقيام «وطن قومي».

هنا تدخل السيد سايكس، فأرسل تقريرًا رسميًّا إلى حكومة الحرب قال فيه: إن الصهاينة لا يريدون «إقامة جمهوريّة يهوديّة أو أي شكل آخر لدولة في فلسطين، أو في أي جزء من فلسطين»، ولكنهم يُفضِّلون بدلًا من ذلك صيغة من صيغ الحماية المُقدَّمة على شكل انتداب على فلسطين. لقد كان دور العرب في تلك المرحلة هو مجرد النظر إلى العصفورة!

هدأت الضجة قليلًا، وبعد شهر، وفيما كُنَّا ننظر للعصفورة، كتب السيد كورزون مذكّرةً زادت الأمر تعقيدًا، أو تلغيمًا، في 27 سبتمبر عام 1917، تناول فيها الفرق بين مصطلحات عدّة، منها: «وطن قومي للعرق اليهوديّ في فلسطين»، «الوطن القومي اليهودي»، و»دولة يهوديّة»، و»جمهوريّة يهوديّة»، و»كومنولث يهودي»، إلى أن كان مؤتمر باريس للسلام 1919، وهو المؤتمر الذي أوصى بـ»إقامة دولة مستقلة في فلسطين»، وأن هذا سيكون سياسة عصبة الأمم للاعتراف بفلسطين كدولة يهوديّة، حالما تقوم فيها دولة يهوديّة على أرض الواقع.

في تلك الفترة أو السنوات الغبرة، راحت فرنسا تقول إنها كانت تتمنى كذا، فيما رأت سويسرا أنها كانت تقصد كذا، ورأت النمسا أنه كان يفترض كذا.. وهكذا على طريقة «بص العصفورة»، أصبح لإسرائيل كيان ودولة ووطن وأمة، وفي الخريطة الكبرى ما زالت هناك صورة أو عصفورة كبرى في الكنيست مكتوب علي جناحيها «من النيل إلى الفرات»!

ولأن ذلك كذلك، ومع انشغال العرب بالنظر إلى العصافير، كانت دولة إسرائيل، ثم كانت «الدولة اليهودية»، ثم كان الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم كان نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ثم كان إزالة الأقصى من الصورة ووضع الهيكل! كل ذلك ونحن منشغلون تمامًا بالنظر إلى الصورة أو إلى العصفورة المسماة هذه المرة بـ»إيفانكا»!

على أن إيفانكا في الحقيقة لم تكن وحدها العصفورة التي شغلونا أو أشغلنا بها أنفسنا، فقد صنعوا أو ربّوا أو سمحوا بتربية عصفورة أخرى لا تقل خطورة اسمها طهران، بات لها أو تحت سيطرتها 4 عواصم عربية على الأقل!

شيئًا فشيئًا، تحولت عصفورة إيران إلى غراب أسود، نراه ينهش في الجسد العربي ليل نهار، ونحن مُصرِّون على الانشغال بمتابعة العصافير المنتشرة هناك في أوروبا.. هذه مع؛ بشرط، وتلك مع؛ دون شرط.. هذه متعاطفة، وتلك أكثر تعاطفًا.. إنها نفس العصافير التي شغلتنا حتى قامت إسرائيل! عفوًا حتى توحَّشت إسرائيل! اللهم نجنا من خطورة الانشغال الدائم بالعصافير على حساب أوطاننا، وأجيالنا الحالية والقادمة!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store