Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

عدنان وزّان.. وتعرية خطاب الإسلام السياسي!

رؤية فكرية

A A
عرفت أخي وصديقي معالي السيد الدكتور عدنان محمد وزّان، كما عرفت عددًا من مجايليه في بداية حقبة التسعينيات الهجرية، عندما حططت الرحل في رحاب البلد الحرام، دارسًا في كلية الشريعة، أعرق الكليات العلمية في بلادنا، ثم توثقت العلاقات وتوطدت فيما بيني وبينه عند طريق رجل الفضل والإحسان الوالد الشيخ عبدالله محمد بصنوي، يضاف إلى ذلك أن مما جمعني مع الدكتور الوزّان في تلك الفترة هو التردد بين الحين والآخر على حلقات العلم الشرعي وسواه في رحاب البيت الحرام، فلقد كانت المدارس الفكرية والمذهبية على تعددها وتنوعها من أسباب وبواعث ثراء الحركة العلمية والثقافية والفكرية والأدبية في مكة المكرمة، فأدباء مثل الأساتذة: أحمد جمال، وعبدالعزيز الرفاعي، وحسين سرحان، وحسن القرشي، وسواهم؛ قد مزجوا في تحصيلهم العلمي بين المؤسسات العلمية النظامية، كدار طلبة البعثات، والمعهد العلمي، الشهيرين بمكة المكرمة. وتطلع عزيزنا الوزّان إلى الجامعات الغربية، وخصوصًا البريطانية منها، لإكمال دراسته العليا، فالتحق بجامعة أدنبره في أسكتلندا، ودوَّن رسالته المهمة في العلاقة بين الأدبين العربي والغربي، وأعتقد أن رسالته كانت في تأثّر الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ بالروائي الإنجليزي، ورائد مذهب الواقعية فيها آرنولد بينيت Arnold Bennett ، وكان مشرفه مايكل ماكدونالد Michael McDonald ، من أكثر المستعربين التزامًا خلقيًا، وتهذيبًا إنسانيًا، إضافة إلى تعاطفه مع القضايا العربية، وخصوصًا القضية الفلسطينية. وبين أوراقي العلمية الخاصة بي في مكتبتي نص ورقة مكتوبة بخط عربي متقن عن القضية الفلسطينية للمستعرب المذكور آنفًا.
ولحقت بركب المبتعثين في أواخر السبعينيات الميلادية، أو كما كانت تسمى «الحقبة التاتشرية»، التي رسّخت الاتجاه اليميني في المجتمع البريطاني لعقد من الزمن، واحتضني الدكتور وزّان في داره، التي كانت مفتوحة لكثير من الطلاب السعوديين والعرب وسواهم، كما كان نشاطه في المؤسسات العلمية العربية معروفًا إضافة إلى دعمه لنادي الطلاب السعوديين، الذي تشكّل في بداية الثمانينيات الميلادية، وكان للزملاء الكرام: عبدالرحمن المطرودي -رحمه الله-، والبروفيسور مرزوق بن تنباك، والبروفيسور عبدالرزاق سلطان، والبروفيسور أحمد الزيلعي، أدوارهم الإيجابية في تشكّل الملامح الأولى للنادي. وسعدت أخيرًا بالمقابلة التي أجرتها هذه الصحيفة الغرّاء (المدينة)، مع عزيزنا الدكتور الوزّان، وذكر فيها العديد من المحطات العلمية في حياته، وكان مما ذكره بعقلية العالم المفكّر والمثقف، هو جناية بعض التوجهات والتيارات المتشددة التي فرقت الناس شيعًا، وزرعت بينهم بذور الضغينة، مشيرًا بإصبع الاتهام صراحة للجهيمانية والسرورية والجامية وغيرها، والتي خرجت جميعها من عباءة تيار الإسلام السياسي، الذي استطاع أن يجد له أرضًا خصبة في تلك الحقبة لجملة من الاعتبارات والظروف السياسية والاجتماعية والفكرية، التي أسهمت مجتمعة في فتح المجال أمام هذا التيار ليتمدد في مفاصل مجتمعنا، برؤاه المفخخة، وأجندته الخطيرة، والتي عانينا منها ردحًا من الزمن. ويحمد لمثل هذه الحوارات التي تجري مع رموز عايشوا تلك الفترة معايشة لصيقة، وخبروا خطابها وما ينطوي عليه من مكائد ودسائس، لتدرك الأجيال الحاضرة والمستقبلية خطورة هذه الحركات المتشحة بالخطاب الإسلامي زورًا وبهتانًا. وأطمع من الدكتور الوزّان أن يبسط القول أكثر مما جاء في حواره الماتع، ويعدنا بكتاب مفصل، يناقش فيه تلك التيارات، ويضع فكرها في ميزان النقد الحاذق، وهو جدير بهذا لما أعرفه عنه من فكر ناضج، وقلم سيّال.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store