Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

فرح خاص.. تحويل السيرة من المروي إلى المرئي!

أيقنت صحة ما درسته وخبرته في الفلسفة الإسلامية، من أن نشر الأخلاق السامية، مهمة لا تقف عند حد نشر المعايير القويمة، أو حتى القيم التقليدية.. إنما هي تمتد الى خلق روح الإبداع والابتكار في نفوس الأفراد والجماعات.. إنها المزج بين الاتباع والمسايرة من جانب، والحاجة الى المبادأة والإبداع من جانب آخر،

A A
أستسمحكم في إبداء فرح خاص بتصريح جميل ومثير لحاكم المدينة المنورة فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، والذي قال فيه أمس الأول الموافق الحادي عشر من رمضان، إن الجيل الجديد بحاجة لتحويل السيرة النبوية من المروي إلى المرئي!. والذي حدث أنني كنت في هذا الوقت من العام الماضي في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، أتجول بعد السلام عليه والصلاة في روضته الشريفة، بين جبل الرماة وجبل النار، وأقف على جبل أحد الذي «يحبنا ونحبه» كما قال صلى الله عليه وسلم!.

والحق إن جولتي في المدينة المنورة، جاءت مختلفة في كل شئ، حيث لم تقتصر كما هي العادة على الصلاة في المسجد النبوي ومسجد قباء وزيارة بقيع الغرقد، وإنما تجولت في أرجائها كما لو كنت أتجول في السيرة النبوية العطرة، من بستان الى بستان، ومن بئر الى بئر، ومن حصن الى حصن، ومن جبل الى جبل، ترن في أذني كلمات الصحابة الأبرار، من فرسان وفقهاء الأمة.

تذكرت أبو دجانة وهو يمسك بسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: أنا الذي عاهدني خليلي.. ونحن بالسفح لدى النخيل.. ألا أقوم الدهر في الكيول.. أضرب بسيف الله والرسول.

تذكرت الغزوات المباركة، والمعارك الباسلة، والحصون المتينة، والخنادق الذكية، والمساجد التاريخية.. هنا مسجد القبلتين، حيث وقف المصطفى تحت ظل نخلة، فلما راح ظلها، أظله أبو بكر بردائه!، وهنا بئر الخاتم، وهنا بئر عثمان داخل البستان في حي الأزهري بشارع أبي بكر الصديق!.

أنت تمشي الآن في بساتين السيرة النبوية العطرة التي يريد فيصل بن سلمان أن يحولها من المروي الجميل الى المرئي الأجمل والأجمل! هنا مسجد الجمعة وسط بساتين وحدائق غناء، حيث كان يصلي به مصعب بن عمير، وسعد بن زرارة، وهنا حصن كعب بن الأشرف في الجهة الجنوبية الشرقية للمدينة خلف ديار بني النضير، وكان كعب أشد اليهود حنقاً على الإسلام وإيذاء الرسول.

هنا جبل النار، شرق المدينة، بجهة طريق السوارقية.. إنه الآن بالقرب من مستشفى الولادة.. لعله ولعلها فأل خير، بحيث تخرج الأجيال الجديدة لترى ثمرة جهد فيصل بن سلمان في تحويل السيرة النبوية من المروي إلى المرئي. هنا لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» بلد بين تبوك والشام»

وهنا مشربة أم إبراهيم السيدة مارية القبطية، وهنا الوادي المبارك «العقيق» الذي جاء فيه عن ابن عباس أنه سمع عمر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك»، وهنا بيت عروة بن الزبير بن العوام أحد فقهاء الأمة كلها لا المدينة وحدها.. إنه إبن أسماء «ذات النطاقين».

مررت بمساجد وأماكن مساجد الغمامة، والإجابة، والشجرة، والسبق، وأبي بكر، وأبي ذر، وعلي بن أبي طالب، والسقيا، وعدت لأتأمل أبواب المدينة القديمة.. هنا باب المصري أو باب سويقة، وهنا باب البرابيخ، وهنا باب البقيع، وهنا باب الحمام، وهنا باب الشامي.. أي جمال هذا وأية روعة؟ كيف نحرم أنفسنا من هذا المرئي الجميل، والحس التأملي الرفيع؟

أيقنت صحة ما درسته وخبرته في الفلسفة الاسلامية، من أن نشر الأخلاق السامية، مهمة لا تقف عند حد نشر المعايير القويمة، أو حتى القيم التقليدية.. إنما هي تمتد الى خلق روح الإبداع والابتكار في نفوس الأفراد والجماعات.. إنها المزج بين الاتباع والمسايرة من جانب، والحاجة الى المبادأة والإبداع من جانب آخر

، والمهم هو المزج بين هاتين الحاجتين لاستشراف المستقبل من خلال أصالة الماضي.. وما أجمله وما أروعه من ماض!

كنت، أتأهب للقاء أمير المدينة الحبيب، مجهزاً كلماتي عما رأيته من سحر وجمال وروعة، فلما أمسك بيدي بألفة عجيبة، مردداً عبارة فهمتها مع سموه وسط دهشة الحاضرين» كيف أنت الآن.. رحم الله الجميع.. رحم الله الجميع».. دمعت عيناي من فرط الفرح والغبطة والفخر، ومع استمرار سموه في الحديث عن «المدينة» الجريدة وحبه لها، لم أتمكن من نقل أمنيتي الغالية، حتى وجدته يحققها لي ولملايين المسلمين.. تحويل السيرة النبوية.. من المروي الى المرئي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store