Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

السعودية.. تغييرٌ سريع ومواكبة اجتماعية مطلوبة (٦)

A A
«لازلت أؤمن أنه إن كان هدفك تغيير العالم، فالصحافة هي السلاح المباشر الأسرع فعالية». هذه مقولةٌ للكاتب والمخرج البريطاني، السير توم ستوبارد، تتكرر معانيها باستمرار على ألسنة المشاهير والناس العاديين في كل مكان.

لم يعد الدور الحساس للصحافة، والإعلام بشكلٍ عام، في صيرورة التغيير الاجتماعي سراً منذ أمدٍ طويل. هذا هو الحال في المملكة، كما هو عليه في باقي أنحاء العالم. المفارقة أن هذا الدور يمكن أن يكون إيجابياً وبنّاءً يصب في اتجاه التطوير المطلوب، لكنه يمكن أن ينزلق بسهولة في اتجاه السلبية والهدم.

وإذ انبثقت فكرةُ هذه السلسلة من المقالات، أصلاً، من عناوين واردة في صحيفة «المدينة» الغراء منذ أسابيع، فقد يكون مناسباً التفصيل في ملابسات تتعلق بدور الصحافة والإعلام في خضم عملية التغيير السريع التي تمر بها المملكة، وتحديداً لجهة بسط دوائر المواكبة الاجتماعية الضرورية لها.

يُحسب لإعلام المملكة اليوم توسيعه الواضح للملفات المفتوحة من ناحية تقديم الخبر وتغطيته.. ويُحسبُ له اختراقه، من هذا الباب، لمجالات كانت من التابوهات والمحرمات إلى ما قبل سنوات.. هذا دورٌ مفيدٌ وأساسي في رفد عمليات التغيير والتطوير، لكنه يكتمل أكثر بحصول نقلةٍ أخرى لها أمثلةٌ وملامح عديدة، تنضوي جميعاً تحت عنوان (الحوار).

فمن إحياء فنّ الحوار، بمعناه الحرفي، مع المفكرين والخبراء والمثقفين، فيما يتعلق بقرارات التغيير وحيثياتها ودواعيها ومستتبعاتها، إلى إجراء استطلاعات الرأي الاجتماعية الشاملة، مروراً بمقالات الرأي والتقارير التحليلية، المتعلقة بتلك القرارات، تبدو الفرصةُ سانحةً لإشراك المجتمع، بشرائحه المختلفة، في فهم قرارات التغيير، وتوضيح أهدافها، وتوسيع آفاق ووسائل تنفيذها، والتمعّن في مآلاتها الممكنة، ونقل ردود الأفعال والآراء المتنوعة بخصوصها من منابر المجتمع إلى صُنّاع القرار السياسي، بما يُمكّنهم من أخذها بعين الاعتبار في عملية صناعة القرار، وربما تطويره وتعديله.

هذا العنصر الأخير هامٌ ومعروفٌ دولياً، من الأوساط الأكاديمية إلى ساحات التجارب العملية، عندما يتعلق الأمر بصناعة السياسة العامة Public Policy

، وهو يُضحي أكثر إلحاحاً عندما تكون القرارات جذريةً وشاملة وسريعة. لكن الممارسة المذكورة أعلاه، بكل عناصرها، تعود بالإعلام، ليتجاوز دور (المِرسال)، ناقل الخبر والمعلومة فقط، وهو أحد أدواره حتماً، ليصبح أداةً رئيسة لبث روح الحيوية والتفاعل والإحساس بالمشاركة والانتماء والمسؤولية. وما من نتيجةٍ لهذه الممارسة سوى خلق دوائر أوسع من الإجماع الحقيقي على القرارات، وترسيخ دوائر مشروعيتها في العقول قبل المشاعر والقلوب.

إلى هذا، يأتي التوازن في مساحات المواضيع التي يغطيها الإعلام عنصراً يجب الانتباه إليه ومراجعته باستمرار. فعلى سبيل المثال، ما من شكٍ في الحاجة لتغطية أخبار الفن والرياضة وكل ما يتعلق بالترفيه والفرح والحياة الطيبة في المجتمع. خاصةً عندما يكون مطلوباً الخروجُ من ثقافة الخصومة مع الحياة، ومحاصرة النفس البشرية الطليقة في أنماط محددة من السلوك، ومجالات معدودة ومُقننة من فعاليات الحياة بُنيت الأسوار حولها بصرامةٍ في الماضي القريب.

لكن المحاذير تظهر من الوقوع في منطق ردود الأفعال في هذا المجال. إن لجهة المبالغة في توسيع المساحات، أو لجهة مضمونها. لا نتحدث هنا بمنطق الحلال والحرام، خاصةً مع توسيع دوائر (الحرام) في الماضي حتى كادت تُصبح (الأصل)، ويغدو معها الحلالُ هو (الاستثناء)، وبتصنيفات تُقررها ثقافةٌ تقليدية وتاريخية. وإنما الحديثُ هنا عن إمكانية الوقوع في مطب إشاعة معاني التسطيح والتفاهة والابتذال، مما لا يمكن إنكار شيوعه في الواقع العربي المعاصر، بشكلٍ يفقأ العين ويثير القرفَ والغَثيان، وتحديداً لدى أصحاب الحس الجمالي والفن الحقيقيين.

وبنفس التوازن المذكور، يمكن توسيع المساحات لمضمونٍ يُؤكد قِيَمَ ومعاني ووسائل الجهد والعمل والتخطيط والمبادرة والطموح والقدرة على الفعل البشري، على مستوى الفرد والجماعة كليهما. وتقديم النماذج العملية، الشخصية والمؤسسية، الوفيرة بشكلٍ ملحوظ في مجتمع المملكة، على وجود تلك القيم وأصحابها، وعلى دورهم المتميز في عمليات التغيير. وقبل هذا وبعده، على انتفاء التناقض الموهوم بين إرادة الحياة وفق تلك القيم من جانب، وحضور الترفيه والفرح والفن والرياضة، وغيرها من عناصر الحياة الطيبة لدى أصحاب تلك الإرادة، وفي حياتهم الخاصة والعامة.

بهذا، يتحقق التوازن الذي أشار إليه الناشط الأمريكي المعروف، مالكوم إكس، حين قال: «الإعلام يمثل أقوى مؤسسة على الأرض. إنها تمتلك القدرة لتحويل البريء إلى مذنب والمذنب إلى بريء. تلك هي القوة الحقيقية. لأن لدى أصحابها قدرة السيطرة على عقول الجماهير».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store