Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

وماذا عن إستراتيجية مواجهة عدوان إيران؟!

مواجهة عدوان نظام طهران يتطلب مواجهات على عدة جبهات، وليس جبهة واحدة، وأن تكون لنا إستراتيجيتنا ومواقفنا الخاصة التي تستفيد من مواقف الآخرين، لا أن تكون معتمدة عليها

A A
صعد الخوميني، وأقرانه، إلى سدة الحكم في طهران عام 1979 في وقتٍ كان الغرب المعادي للاتحاد السوفيتي يسعى لزيادة الضغوط على النظام الشيوعي في موسكو لدفعه للاستسلام والتخلي عن النموذج الشيوعي في إدارة البلاد. واستهدفت أجهزة المخابرات الغربية جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإسلامية، التي كانت محاذية لإيران، لدفعها للتمرد على الاتحاد السوفيتي بحجة إلحاد قادته. واعتبرت قيام نظام ديني إسلامي على حدود الجمهوريات السوفيتية الشيوعية فرصة لجذب تلك الجمهوريات بعيداً عن موسكو. ونجح الخوميني في إقناع الغرب، خلال إقامته في فرنسا، بأنه الرجل المناسب لحكم إيران بشعار إسلامي جذاب. ورغماً عن أن الثورة ضد الشاه شارك فيها شيوعيون إيرانيون وقوميون وغيرهم من الجماعات المناوئة لنظام الشاه في ذلك الوقت، إلا أن رجال الدين، الذين كانوا يحيطون بالخوميني، كانوا أكثر تنظيماً، وساعدتهم توجهات المخابرات الغربية في ذلك الوقت، بحيث تمكَّنوا من الهيمنة على إيران عبر إجراءات دموية جرى خلالها اغتيال وسجن وإعدام زملائهم في الثورة على الشاه، والاستئثار بالحكم لمن أعلن نفسه ولياً فقيهاً على البلاد.

نقطة الضعف الرئيسية في إعلان الخوميني نفسه قائداً إسلامياً كانت قيام نظامه على أساس مذهبي شيعي كما ورد في دستورهم وهو أمر غير مقبول من العالم الإسلامي الذي تؤمن غالبيته العظمى بالمذهب السني. فكان أن بحث عن قضية تتوحَّد عواطف المسلمين حيالها، وهي القضية الفلسطينية، وأعلن تبنِّيه لها، وقام بتجنيد عملاء له لخدمة أهدافه من ذلك. وبالفعل جذب هذا الشعار تعاطف عدد لا يستهان به من العرب، وخاصة من اليسار بمختلف أطيافه السياسية والقومية. وتوالت بعد ذلك فرص عديدة أدت إلى تضخيم الدور الذي تلعبه طهران في المنطقة.

ومن أبرز الأحداث كانت الحرب في أفغانستان التي دخلها الأمريكيون بكل ثقلهم بعد أحداث تفجيرات أبراج نيويورك ومبنى البنتاجون في واشنطن، إذ سعت المخابرات الأمريكية إلى استخدام إيران الواقعة على حدود أفغانستان، بالمساهمة في حربها ضد طالبان (السنية المذهب)، وتلا ذلك فرصة كبيرة أتاحها لها احتلال العراق لدولة الكويت وتهديده لمنطقة الخليج، وعجز صدام حسين عن فهم الموقف الأمريكي، مما أدى في نهاية المطاف الى احتلال الأمريكيين للعراق. وقام الأمريكيون عند دخولهم العراق بتفكيك الدولة العراقية، والقضاء على كل أجهزتها السياسية والأمنية والعسكرية بل حتى الإدارية، وأتاحوا لإيران إرسال فرقها الأمنية والإدارية والسياسية لتساعد على إعادة بناء عراق جديد يكون لمَن يُؤمنون بالمذهب الشيعي اليد العليا فيه، بحجة أن عدد العراقيين الشيعة يفوق عدد السنة، وكانت النتيجة بالطبع هيمنة إيرانية على مقدرات العراق، يختلف المحللون، حتى اليوم، حول حجمها الحقيقي، خاصة مع استمرار الوجود الأمريكي في العراق، وكذلك تصاعد دور قوى عميلة لطهران في العالم العربي بدعم مادي ومعنوي من إيران وأجهزة مخابرات غربية اعتقدت أن ذلك يصب في مصلحة دولها، وأبرز المستفيدين من ذلك كان (حزب الله) اللبناني، الذي حمل السلاح واستخدمه للسيطرة على لبنان، والاستفادة من انتهازية بعض العناصر اللبنانية التي لا تكون مقتنعة به، ولكنها ترغب في استخدام قوته لتحقيق مصالح شخصية لها. وتوالت الفرص أمام إيران بقراءة مشوّشة لإدارة الرئيس الأمريكي أوباما حول المنطقة والعلاقة بين المذهب السني والمذهب الشيعي دفعته إلى وضع ثقله المعنوي والمادي لجانب إيران والحكام المذهبيين فيها، وأقنع أوربا بالمشاركة في توفير تمويل لنشاط إيران في المنطقة عبر رفع الحظر عنها ومساعدتها، مقابل اتفاق معيوب حول أنشطتها النووية، وكانت الصين وروسيا أكثر الدول حماساً للاستفادة من الفرص الاقتصادية التي يوفرها هذا الاتفاق، ثم كانت آخر خطايا أوباما قبل رحيله تجاه العرب، ما فعله في سوريا، حيث أتاح لإيران الدخول بثقلها فيها، وفتح الباب، ربما عن سوء تقدير تميزت به إدارته، لروسيا، العودة وبقوة إلى سوريا وبقيه الشرق الأوسط.

التحليل العقلاني لما أدى الى انتشار نظام إيران كداءٍ خطير في العالم العربي، هو تحليل يفترض أن يكون أكثر توسعاً وعمقاً من هذا العرض الذي تقرأونه في هذا المقال، سوف يساعد على دعم إستراتيجية مواجهة عدو شرس وتحليلات خاطئة لأجهزة مخابرات غربية تقوم بمناصرته، ومصالح تجارية واسعة تسعى للاستفادة من وضعه الحالي. مما يعني أن مواجهة عدوان نظام طهران يتطلب مواجهات على عدة جبهات، وليس جبهة واحدة، وأن تكون لنا إستراتيجيتنا ومواقفنا الخاصة التي تستفيد من مواقف الآخرين، لا أن تكون معتمدة عليها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store