Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

الصراع على الطاقة..!

A A
في النصف الأول من القرن العشرين وما بعد، كان الصراع في الشرق الأوسط على البترول، وقود الثورة الصناعية الجديدة وموطنها الأصلي أمريكا وأوروبا والاتحاد السوفيتي، ولذلك أُبرمت المعاهدات، ورُسمت جغرافية الدول «السياسية والبترولية»، وانقسم العالم إلى معسكرين رئيسين: الاتحاد السوفيتي وحلف النيتو، وصيغت المعاهدات الدولية، وأُسِّست الأمم المتحدة ومجلس الأمن لخدمة مصالح المنتصرين في الحرب الكونية الثانية.

تضاعفت الثروات مئات المرات، وبُنيت المدن، ومراكز القوة، ومظاهر الحضارة المعاصرة بشكل خيالي، وأصبح السباق على التفوُّق في العِتَاد الحربي ومواد الرفاهية سيّد الموقف في الغرب، واليابان على وجه الخصوص.

بقي تقدُّم الدول العربية، وما يُسمَّى دول العالم الثالث، مُقيَّداً بما يُقدَّم له من سلة فائض الإنتاج، الذي يضمن معدلات نمو عالية، تخدم مصالح الدول الصناعية الكبرى، ويُوفِّر رفاهية شعوبها. وكل الخطط الصناعية للدول الكبرى كانت تأخذ في الاعتبار أن البترول طاقة طبيعية ناضبة، ستنتهي في يومٍ ما، وأن البدائل يجب أن يُخطَّط لها مُسبقاً، وأصبح السياق محكوم بخطط التحوُّل من مرحلةٍ إلى أخرى.

ظهور الغاز كمنافس وبديل للطاقة البترولية، نَقَلَ الصراع من ساحة البترول، إلى ساحةٍ أخرى وهي الدول التي تنتج الغاز بكمياتٍ كبيرة، وأصبحت العوامل السياسية والأحلاف الدولية الجيوإستراتيجية تُحرِّكها المصالح العليا للدول الكبرى، التي تحرص على استمرار تفوُّقها ورفاهية مجتمعاتها، بغض النظر عن مَن يموت أو يحيا من دول العالم الثالث.

منطقة الشرق الأوسط كانت في بداية تدفُّق البترول في القرن العشرين في قلب الحدث، وتعود من جديد في بداية القرن الحالي في عالم الطاقة الغازية أيضاً، ولذلك نرى دويلة مثل قطر، لا يزيد عدد سُكَّانها عن رُبع مليون، أصبح لها دور تتنافس عليه الدول الكبرى، وتُحرِّكها لمناكفة جوارها العربي، سعياً وراء تصوُّرات وطموحات ووعود خيالية في مجالات القيادة السياسية، وأصبح هناك محور روسيا وإيران وقطر مقابل محور أمريكا وأوروبا وما تبقَّى من الدول التي يوجد بها مكامن غاز بكمياتٍ كبيرة. والارتباط بين البترول والغاز متقارب من حيث وجود الاحتياط بكمياتٍ ضخمة، وآليات الاستخراج والنقل والوصول إلى مناطق التوزيع والاستهلاك في الدول الصناعية الكبرى، مثل أوروبا وأمريكا الشمالية وروسيا والصين واليابان... وغيرها.

والمعضلة الكبرى التي زُرعت في قلب العالم العربي هي إسرائيل، وهذا ليس من باب تبرير إخفاقات العالم العربي، ولكنه واقع لا مفر من ذِكره لدلالة تأثيره على تفكُّك العالم العربي، وتأخير التنمية فيه. بالأمس كان الصراع يدور حول البترول، واليوم وغداً الغاز، وكانت الطاقة وستظل المعضلة الكبرى التي تُطَارَد بكل الوسائل الممكنة من قِبَل الدول الكبرى، للهيمنة على مصادر الطاقة في المنطقة العربية ككل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store