Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

السعودية.. تغييرٌ سريع ومواكبة اجتماعية مطلوبة (٩)

A A
نعم.. من الضرورة بمكان أن توجد قوانين وتشريعات تحثُّ على التغيير وتدفع إليه.. ومن المهم أن يتم إنشاء الأنظمة والهياكل، التي تستوعب صيرورة التغيير وتضع له أطره وقواعده.. ومن المفيد، جدًا، أن يوجد زخمٌ فكريٌ وإعلاميٌ وثقافيٌ وأكاديميٌ نظري يثري آفاقه ويُظهر تنوع مداخله وأساليبه.

لكن هذا كله يبقى ناقصًا ما لم توجد (النماذج) العملية التي تُبيُّن إمكانية حصول التغيير، وإمكانية استمراره وتطوره وانتشار أمثلته واقعيًا في المجتمع.

ثمة خطورةٌ في أن يعتاد الناس على صدور القوانين وإنشاء الأنظمة إلى درجةٍ يُصبحُ التركيز فيها على (الدولة) كفاعلٍ وحيدٍ لا ثاني له في عمليات التغيير، ينتظر المجتمع بأسرِهِ فِعلهُ وإنجازَهُ.. والأخطرُ من هذا أن ينتشر في دوائر المجتمع كثيرٌ من التنظير والكلام الذي يكاد يصبح روتينيًا لدى الناس. في حين أن هؤلاء باتوا بأمسّ الحاجة إلى نماذجَ عملية تعيش القيم الأصيلة والإيجابية الكامنة في ثقافتنا وحضارتنا.. وهي قيمٌ إنسانيةٌ لا يكمن فيها تعقيدٌ توحي به بعض الأدبيات، ولا يحتاج توضيحُها إلى كثيرٍ من الكتب والمحاضرات والدروس النظرية، بقدر حاجتها إلى أن تتجسد في واقعٍ إنسانيٍ حقيقي يتحرك فوق الأرض، يُعايش ما فيها من العوائق والموانع والصعوبات، ويتعامل مع كل ما يوجد عليها من تحديات، لكنه يُثبت القدرة على إمكانية الفعل البشري في نهاية المطاف.

وحين يَشهدُ المجتمع تركيزًا أقلّ على التنظير البحت، والمملّ في بعض الأحيان، ويرى بالمقابل مشروعات فردية ومجتمعية عملية في مختلف مجالات الحياة تكون مصداقًا لقيمه الأصيلة، ستحصل نقلات نوعية لا يُستهان بها في كل مجالات التنمية، وبشكلٍ قد لا يتمكن الإنسان من رؤية آفاقه وأبعاده الواسعة الآن..

بل إن حجم التطور في مجتمعٍ يملك كمونًا ثقافيًا وماديًا وبشريًا هائلًا، مثل مجتمع المملكة، سيفوق بدرجات تطور كثيرٍ من المجتمعات الأخرى.

من المفيد، مثلًا، إعادة إحياء تقليد (موظف/ة الشهر) في كل المؤسسات، عامةً كانت أو خاصة.. وأن يحصل هذا بمقاييس جدية وصارمة، لتشجيع العاملين على التميز والإبداع، والشعور بالمسؤولية.. فكل موظفٍ مسؤولٌ له منصب في نهاية المطاف.. مسؤولٌ أمام الله أولًا وأخيرًا عن الأمانة التي بين يديه، ومسؤولٌ أمام رؤسائه وأمام موظفيه.. وارتباط المنصب بمفهوم المسؤولية عاملٌ أساسي في الحفاظ على التوازن السياسي والإداري في أي مكان، لأن فقدان الارتباط المذكور يهزّ المشروعية، ويؤدي دائمًا إلى التخبّط والفوضى.

هذا فضلًا عن عديد المبادرات والمشروعات الموجودة فعلًا في المجتمع السعودي، والتي يجب إشاعة المعرفة بها وبنشاطاتها في مختلف المجالات. فحسب موقع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية على الإنترنت توجد في المملكة قرابة ٧٠٠ جمعية خيرية «تقوم بتقديم العديد من الخدمات والأنشطة للمستفيدين منها والمساعدات المتنوعة، وإقامة الدورات التدريبية والتأهيلية والتي تعمل بدورها على تحويل أفراد المجتمع من متلقين للإعانات إلى منتجين، وكذلك الاهتمام بالجانب الصحي للأسرة وعلى وجه الخصوص تأمين الدواء والعلاج ومساعدة الأسرة المحتاجة في تأمين السكن، تنفيذ برنامج تأهيل الأسر المنتجة لمساعدة الأسر للاعتماد على نفسها، تأهيل وتطوير قدرات الشباب من الجنسين على اكتساب مهارات حرفية لمساعدتهم على الانخراط في سوق العمل، تقديم خدمات لإصلاح ذات البين، استقبال وتوزيع الفائض من الأطعمة... كما أن هناك جمعيات متخصصة في الزواج والرعاية الأسرية.. وفي تقديم الرعاية الطبية والاجتماعية للمسنين».

(النموذج) العملي مهمٌ إذًا على الجانبين الرسمي والشعبي، فظهورهُ يعطي الناس أملًا حقيقيًا بإمكانية وصول التغيير الإيجابي إلى كل مساحةٍ تتعلق بحياتهم وهمومهم، والتكاملُ بينهما هو قاطرة التغيير الفعالة في كل الدول والمجتمعات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store