Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سلطان عبدالعزيز العنقري

«الكورة»....!

تلك "الكورة" التي لا يتعدى سعرها حفنة دولارات قلبت الطاولة رأسًا على عقب في مفهومنا للرياضة فجعلت عاشقيها يلاحقون مشاهيرها في أي مكان وفوق كل أرض وتحت كل سماء للحصول على شرف التوقيع منهم.

A A
الرياضة التي تقوي الأجسام وتهذب النفوس، وخط الدفاع الأول ضد الأمراض، ووسيلة تواصل بين مجتمعات وشعوب الأرض، اختزلت بـ»كورة» صغيرة لا يتعدى ثمنها دولارات معدودة، فأوجدت فرص عمل لعشرات الملايين العاطلين عن العمل من المنشآت الرياضية وإدارتها، والمدربين والطاقم الفني وأطباء الإصابات الرياضية والإداريين والمدلكين وخبراء المساج والعلاج الطبيعي، وانتعشت مصانع وشركات الأحذية والملابس الرياضية. فأصبحت هذه «الكورة» الصغيرة تهز مدرجات وترقص الناس في الشوارع، وتملأ الفنادق من البشر، وتشغل الطائرات وسيارات الأجرة، وتنعش أسواق الهدايا التذكارية والمطاعم والحانات وتحيي سوق المرشدين السياحيين، وشركات التأمين على اللاعبين وشركات النقل التلفزيوني بل وصل الحد إلى ليس فحسب احتكار المنافسات الرياضية، بل واقحامها في السياسة، والتي إذا دخلت في أي شيء أفسدته، بل لم تتوقف عند ذلك الحد بل امتدت إلى الصحة النفسية فحركت عواطف الناس بالبكاء والعويل ورفع الضغط والسكر والإصابة بأمراض القولون وتصلب الشرايين، والإفراط بالتدخين والإصابة بالسكتات القلبية، فتحولت «الكورة» من معشوقة الملايين إلى مدمرة للملايين.

تلك «الكورة» التي لا يتعدى سعرها حفنة دولارات قلبت الطاولة رأسًا على عقب في مفهومنا للرياضة فجعلت عاشقيها يلاحقون مشاهيرها في أي مكان وفوق كل أرض وتحت كل سماء للحصول على شرف التوقيع منهم.

أتعرفون يا سادة ما هو السبب وراء كل تلك (الهيصة) أنها الفقدان الحقيقي لمفهوم الثقافة الرياضية التي خلطت بين تقوية الأجسام وتحصينها ضد الأمراض، والترفيه الذي يجعل الشخص يشاهد النتيجة الحقيقية لبناء الأجسام الصحية من خلال المنافسات الرياضية الشريفة التي تنظر إلى أن الهدف من الرياضة وممارستها هو العناية بالعقل والجسم معًا وتقويتهما، فالعقل السليم في الجسم السليم. فالعلاقة بين العقل والجسم هي علاق تكاملية كل يؤثر بالآخر إما سلبًا وإما إيجابًا.

هذه «الكورة» أشترت لاعبين ثم باعتهم وكأنهم أقنان يباعون في المزاد العلني لمن يدفع أكثر، وتعاقدت مع مدربين بصفقات عُمر ثم أطاحت بهم بسبب إما سوء إدارة أو سوء لاعبين يبحثون فقط عن الشهرة وتصدر الأخبار والإعلام ولا يعون جيدًا أنهم مستأجرون وموظفون يتقاضى البعض منهم في أسبوع أكثر مما يتقاضى أستاذ في الجامعة لعقود أفنى حياته بالتعلم والتغرب ليخرج أجيالا تنهض بها المجتمعات من طبيب ومهندس ومعلم وسياسي وعالم نفس واجتماع وغيرهم.

إنها «الكورة» يا سادة التي جعلت من حامل الشهادة المتوسطة أو الثانوية عالمًا فقيهًا تخطى بفنه الكروي فن من ينقذ أرواح خلق الله في غرف العمليات وفي أقسام الطوارئ الذين يحيون ويموتون ولا يدري عنهم أحد كون حظهم العاثر لم يتوجهوا بتخصصاتهم لهذه «الكورة».

أنها ثقافة الرياضة التي جعلت جميعنا كمتفرجين نصبح ضحايا لاعب خذلنا في الملاعب بسبب إما سوء إعداده أو سوء مزاجه فدفعنا الثمن غاليًا من صحتنا وأموالنا لمشاهدة لاعبًا بدلا من أن يرفه عنا في رياضة لتهذيب النفوس أصبح يصيبنا بجميع أنواع المآسي من حزن وبكاء وعرضة للإصابة بالأمراض التي لو طبقنا مفهوم الرياضة التطبيق الصحيح لما أصبحنا مدمنين على معرفة أخبار لاعب متى ينام ومتى يصحى من نومه وهل هو مصاب في رجله أو في كتفه أو في رأسه أو في يده.. إنها بالفعل الثقافة الرياضية المفقودة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store