Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

بعد أن هدأت زوبعة العاصوف!

A A
* فارق كبير بين كتابة الدراما التلفزيونية؛ وكتابة القصة أو الرواية. كان يمكن أن يكون (العاصوف) أو (بيوت من تراب) رواية جميلة يستمتع بها محبو الأدب ومتذوقوه، لكن تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني؛ يتطلب الكثير من المعايير الدرامية والفنية. ولعل المعضلة الأكبر التي وقع فيها (العاصوف) هي أنه ربط نفسه (دعائياً) بفترة الصحوة، ذلك المنعطف الاجتماعي والتاريخي الحساس، الذي مرت بها بلادنا في السبعينات الميلادية، والذي يشكل منطقة مفخخة تاريخياً وأيديولوجياً، يمكن أن تتغير فيه المعاني، وتنقلب فيه النوايا دون سابق انذار!.

* للأمانة.. لابد من القول أن المسلسل كان أمينًا إلى حد كبير في نقل التفاصيل الدقيقة لأهم ملامح الحياة العامة في السبعينات خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية وبعض الأخطاء البشرية والنزوات التي لا يكاد يخلو منها مجتمع، وهذا ما يشهد به كل معايش لتلك الفترة.. لكنه بالمقابل لم يكن بنفس القدر من الأمانة في ذكر محاسن ذلك الزمن (الطيب) حتى لا أقول (الساذج)، فالعمل بالغ كثيراً في إبراز العلاقات الجانبية المشبوهة، متبعاً سياسة أفلام حسن الإمام في السينما المصرية، في إبراز صور وخطايا قاع المجتمع، على حساب أوجه إيجابية كثيرة وجميلة لم يتطرق لها المسلسل بتاتاً، وكأنه -بقصد أو بغير قصد- يريد تكريس صورة أو أيديولوجيا معينة.. وهذا ما صدم كثيراً من المشاهدين الذين أزعجتهم الصورة غير العادلة، فاعترضوا بقولهم: (ما كنا كذا).

* هذه الانتقائية غير المبررة أضعفت العمل دراميًا، فغابت الحبكة، وضاع معها الخط الدرامي الذي كان من المفروض أن يتصاعد ويتشابك ليصل بالمشاهد إلى ذروة العقدة الدرامية، فأصبحت الحلقات أشبه بلوحات درامية منفصلة، تم إلصاقها ببعض بشكل مفتعل.. ولم يشفع الإنتاج الضخم، ولا حتى موسيقى المبدع ناصر الصالح الذي استلهم روح الفنان (فهد بن سعيد) وفنانو التسعينات الهجرية في (تتر) المقدمة، في تسويغ العمل الذي تعجب أنه تجاوز العام 1979م دون أن يتطرق لتلك الزوايا التي كانت تشهد تكون خلايا الإخوان والسروريين وبقية منظمات الإسلام السياسي!

* الغريب أن الأيديولوجيا التي تبناها العمل كسرت من حيث أرادت أن تجبر.. فقد أساءت لمجتمع السبعينات وشوهت اعتداله وتناغمه وطيبته، وكأنها بهذا تبرر لظهور الصحوة!.. ورغم إيماني كما قلت في بداية المقال بصحة معظم تلك الصور، إلا أن جمعها تحت سقف واحد، وإغراق المشاهد بها كان خطأ يجب التنبه له.

* الدراما التاريخية تحتاج إلى فرق متخصصة ومنصفة من الكُتّاب والمتخصصين. كنت أتمنى أن يكون (العاصوف) مسلسلاً للمتعة فقط؛ كما يقول بطله ناصر القصبي.. لكن هذا لم يعد ممكناً بعد أن أقام المسلسل نفسه حاكمًا على فترة السبعينات في السعودية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store