Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

«ضابط مزيف» يؤجر «خزام التاريخي» للمخالفين

«ضابط مزيف» يؤجر «خزام التاريخي» للمخالفين

محرر المدينة يتقمص دور تاجر ويستأجر مستودعا للأخشاب

A A
كسرت مخالفات قصر خزام بالنزلة اليمانية سقف المتوقع، بل أراها قد خرجت من قوائم المخالفات المعتادة التي توقع الجهات المختصة بأبطالها كل يوم إلى آفاق أكبر، حيث تعرض فيها المجتمع كله لـ«طلقة خداع» ممن حسبناه لزمن حارساً لبوابة أمانها.. مخالفات «فريدة» تعيدنا لزمن الأساطير أو ربما تحملنا لعوالم الخيال العلمي وقتما يُقدم ضابط مزعوم وبعض معاونيه -في سابقة دالة على الجرأة والتحدي- لتأجير قصر خزام التاريخي لـ14 عاماً متواصلة على العمالة الأجنبية مقسّماً غرف القصر وساحاته إلى مستودعات مخالفة بمساحات متباينة وبمبالغ يصل بعضها لـ170 ألفاً.

المصادفة كانت الوقود الذي حركنا للمكان، حيث رصدت وزميلي المصور بوابة القصر تٌفتح للحظات ثم تغلق لتدخل سيارات وتخرج أخرى محملة بالمفروشات تارة والأخشاب تارة أخرى، الأمر الذي أثار داخلنا الفضول الصحفي وحفزنا لدخول القصر وسؤال بعض العمالة عما يدور داخل «المكان لصيق التاريخ».

ما قالت العمالة؟

تحركنا بهدوء وتسامرنا مع الوافد «سراج» المسؤول عن حراسة البوابة أو حامل مفاتيحها إن جاز وصفي، والذي بدا متلعثماً في البداية، خاصة أن زميلي المصور لم يُحسن إخفاء الكاميرا ومع التلعثم والقلق لم يستطع سراج الإفلات من الأسئلة المتلاحقة التي وجهناها له فإذا به يحكي بعضاً من الحكاية والتي مثلت لنا الخيوط الأولى، التي قادتنا لأبشع جريمة عاشها المجتمع الجداوي على مدى 20 عاماً.. جريمة غافل فيها الجناة مجتمعاً كاملاً، مستثمرين نفوذهم وضمائرهم الميّتة ليسرقوا التاريخ ويشوهوا شواهده.

لم يتمكن سراج من الخلاص من أسر الملاحقة فقدم لنا رقم هاتف العميد كما وصفه ليخلي مسؤوليته.. سألناه منذ متى تعمل في القصر؟ وأى سلطة تلك التي تحوّل قصراً تاريخياً إلى مستودعات سريّة لتخزين الأحذية والمفروشات؟ وكم يصل سعر «المستودع» في قصر خزام ولكن سراج صمت واكتفى بإهدائنا رقم هاتف العميد وكأنه يقودنا بالأرقام العشرة إلى«المغارة الملغومة».

الاتصال الهاتفي

خرجنا من القصر والحيرة تتملكنا.. كيف نبدأ مشوارنا مع الضابط المزعوم وهل سيكون حذرًا في إجاباته لنا؟ وهل سيكتشف بحسه الأمني -سريعاً- هويتنا ومع كل ذلك تجرأنا بالاتصال فأجاب مُرّحبا بنا.. أبلغته أنني تاجر أخشاب من الشرقية وأريد استئجار مستودع بسعر مناسب لتخزين بضاعتي فإذا به يردّ بثقة وثبات: «اذهب لسراج الحارس سيعرض عليك المساحات الخالية وسأقوم بالاتصال به.. لم أعارضه في مطلبه وذهبت سريعاً للقصر فلم أجد سراج.. فعاودت الاتصال به لأخبره بعدم وجود الحارس فقال سأحضر لك الآن.

جولة داخل القصر

لا أبالغ لو قلت: إن الكاميرا كانت حائرة وأنا أتجول وزميلي داخل القصر-فى فترة انتظار «الضابط المزعوم» لنشاهد ورش حدادة ونجارة وورشاً أخرى لصناعة اللوحات الإعلانية ومستودعات «على كل شكل» وسكن للعمال من مختلفى الجنسيات، وورش تعج بالحركة ونيران اللحام على بعد خطوات من أنابيب الغاز وحركة نشطة «للمخالفة» خلف السور وفي دهاليز القصر السفلية».

الفرصة الذهبية

كان قدوم الضابط المزعوم لمقابلتنا بالقصر«فرصة ذهبية» فنحن الآن في مواجهة حقيقية مع عميد المخالفين، سألناه عن نظامية ما يقومون به وكيف يؤجر هذه المواقع بدون تراخيص فقال إنه يتعامل مع الوكيل الشرعي للورثة ويستطيع إسكات أي جهة رسمية تعترض على هذه المخالفات بعلاقاته الواسعة، سألناه عن السعر فأخبرنا بأن أسعار مستودعاته تتراوح ما بين 100 ألف إلى 170 ألفاً وأنه سيكرمنا بمستودع واسع وبسعر مناسب.. أكملنا معه الحيلة وتعللنا بالظروف الاقتصادية التي نمر بها كتجار حتى قدم لنا سعرًا مرضيّاً نسبياً.

كان يتكلم معنا بجرأة غريبة وثقة بالغة في محاولة منه لزرع الاطمئنان داخلنا، مؤكداً أن مراقبي الأمانة وضباط الدفاع المدني ومسؤولي البلدية أصدقاؤه ولا خوف من قدومهم وعن تراخيص البلديّة قال: المكان ليس مرخصًا لكن البلدية لا تستطيع الدخول ما دام حارس الموقع يغلق البوابة.. صمت الضابط للحظات وأضاف: لا تخافوا فسأحميكم من عقوبات البلدية والدفاع المدني فالبوابات تفتح بمواعيد وتغلق بمواعيد.. وكل شيء محسوب بحساب.. أومأت له بالموافقة وأبلغته بأننى سأقوم بالاتصال بشريكي فهو صاحب الحصّة الأكبر في شركتنا، كما أنه صاحب قرار قبول السعر أو الرفض.

حيلة الشريك

حيلة الشريك -التي أبدعت وزميلي في إحكامها- انطلت على الضابط، حيث قمت بفتح مكبّر الصوت وأبلغت زميلي بالسعر فإذا به يرفض بصوت مسموع وعالٍ رفضاً قاطعًا، مؤكداً أن السعر مغالى فيه وأن هناك مستودعات بجدة أرخص كثيراً.. كان هذا الرفض أشبه بالفخ الذي سقط فيه المؤجر، حيث بدأ يساومني أكثر وينزل بالسعر أكثر وكأنه يخشى ضياع الريالات التي اقتربت من يده.. بدأ الضابط المزيف جولته معنا ليعرض مساحات 13 مستودعاً تتناسب مع ما نملك من مال كما بات يقدم إغراءات ومزايا خاصة لنا.. كنا نسمع لحديثه ونعاين بعيوننا «القصر» الذي يحمل قيمة تاريخية كانت تطربنا بصوت أساتذة التاريخ ونعيش جمالها على سطور الكتب والموسوعات.

من شوه التاريخ؟

على يد هؤلاء المخالفين يباع التاريخ، بل تحوّل الأثر الشامخ إلى مستودع لتخزين الأحذية ومكب للنفايات وسكن للعمالة المخالفة ووكر لممارسات ضعاف النفوس حتى السور بات مليئاً بالفجوات والانهيارات، الأمر الذي استثمره الوافدون ليجعلوه مداخل جديدة للدخول ليلا.. أما الساحات الداخلية فمليئة بالأوساخ والقمامة المتراكمة والملابس الرثة -رجالية ونسائية- والتي شكلت بدورها طبقة سميكة تمنع قدمي من الوصول للأرض -حال السير-، ومع غرابة ما رأينا من مشاهد كان مشهد أشجار النخيل الجافة لافتاً، التي نحسبها قد جفت غضبا وتساقطت حزنا على مال إليه المكان.

لم يكتف العمال باستغلال مساحة القصر والاختباء بفعلتهم خلف السور، بل بنوا غرفا من الطوب الأحمر والخشب بطريقة بدائية، وقاموا بتأجيرها للمخالفين كمساكن ،كما نتعجب من جرأة هؤلاء على الاستثمار بشكل مخالف ونسأل عمن يحميهم، ومن هم أصدقاؤه من الأمانة والبلدية والدفاع المدني الذين منحوهم كما يدعون فرصة الكسب غير المشروع متحدين انظمة البلد وهيئاته الرسمية ومقابل ماذا هذا السكوت ؟ إن صدق فيما يقول..

انتظار على الطريق واصلنا مهمتنا بسؤال أحد الوافدين المتكئ على سيارته أمام مدخل الخارجي.. سألته ماذا تعرف عن قصر خزام؟ فأجاب أنا لست من أهالي الحي فقط أنتظر بضاعتي من المستودع ستخرج الآن لأقوم بتوزيعها، كان الوافد يشير إلى بوابة حديدية «مغلقة» وفور انتهاء كلامه فتح أحد العمالة الآسيوية البوابة وخرجت سيارة كبيرة محملة بالمفروشات والمراتب ليقوم الوافد بالركوب مع السائق في أمان وهدوء، ملوحًا بيه لنا.

جيران القصر

عبدالسلام خالد من سكان الحي المجاور للقصر قال: إن القصر يسكنه عدد من الجاليات الإفريقية يأتون وقت العصر أو المغرب في سيارة بيضاء كبيرة عند «فتحة» موجودة في سور القصر المقابل للعمارة التي نسكنها وينزلون من سيارة ويدخلون حاملين معهم الأطعمة وفي صباح اليوم الثاني ينطلقون إلى أعمالهم على ما أظن، مؤكدًا أن المكان أصبح مسكنًا آمنًا لهم.. وقال إنه شاهد «أوراق الشام» التي يستخدمها مدمنو الحشيش مخبأة داخل ثقوب في أسوار القصر وشاركه عبدالله رشيد من سكان الحي قائلا: هنالك ضعاف نفوس جعلوا القصر مكانا لممارسة الأعمال المخلّة فالمكان مظلم بحكم عدم تواجد السكان، وقال: إنني في مرة كنت أمارس رياضة المشي وعند وقوفي جوارالسور وقع نظري على مجموعة من الإبر داخل ثقب في السور، فتقدمت ببلاغ للجهات المختصة.

السياحة: القصر أملاك خاصة وليس من مسؤوليتنا

المتحدث الإعلامي لفرع هيئة السياحة والتراث الوطني بمنطقة مكة ياسر العبادي، سألناه عن سبب إهمال الهيئة للقصر فقال: إن القصر يعتبر أملاكا خاصة لورثة وليس تحت مسؤولية هيئة السياحة والتراث الوطني.

الأمانة: أغلقنا 7 مستودعات مخالفة بالقصر بعد بلاغ «المدينة»

سامي الغامدي من المركز الإعلامي التابع لأمانة جدة قال: إن الأمانة ممثلة في بلدياتها الفرعية تتابع وترصد وتمنع وجود مثل هذه الورش والمستودعات بأي حال، ولكن ما يتعلق بملاحظتكم في مرافق قصر خزام فالبلدية استلمت الموضوع. و بعد بلاغ المدينة أغلقت الفرق الرقابية في بلدية الجامعة الفرعية 7 مستودعات مخالفة تُمارس أنشطة مختلفة في مرافق قصر خزام وتم إغلاقها، إلى جانب مصادرة 12 أنبوبة غاز.. 2 مكائن خياطة، 7 معدات مختلفة من صاروخ وشنيور وغيره وجار استكمال الأعمال والإجراءات النظامية بحق بقية الانشطة المرصودة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store