Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

وباء الوحدة المرضية

ويساعد اعتماد نـمط حياةٍ صحي يتضمّن النوم السليم والرياضة البدنية والـمشاركة العائلية والعمل باعتدال والانـخراط في نشاطات جماعية، على مقاومة الـمشاعر السّلبية المُرتبطة بالعزلة الاجتماعية الـمُزعجة.

A A
على الرغم من الأثر الإيجابـي لوسائل التواصل الاجتماعي في ربط عددٍ أكبر من الناس بشكل فعّال، إلا أن نسبة الشعور بالوحدة والانفصال عن الناس ارتفع بشكل ملحوظ غير مسبوق. هذا ما توصلت إليه بحوث علمية واستقصائية في المجتمع الأمريكي، حيث أظهرت أن حوالي نصف الأمريكييـن، وبخاصة ضمن فئة الشباب، قد اعترفوا بشعورهم بالوحدة المَرضية في بعض الأوقات على أقلّ تقدير، واستجاب (40%) منهم بردود تفيد أنهم يعانون من نُدرة الرّفاق، وأن علاقاتهم بغيرهم من المعارف «ليست ذات قيمة».

وتذهب تقارير وآراء علمية إلـى حدّ التحذير من «وباء الوحدة» الذي ارتفع حالياً بنسبة الضعف مقارنة بالثمانينيات الميلادية، ويعاني منه ثلث الأفراد فوق عمر الرابعة والخمسين، لارتباطه برداءةِ الحالة الصحية وخطرالإصابة المُبكّرة بخَرف الشيخوخة، ومضاعفاتٍ لا تقلّ خطورة عن السّمنة المُفرطة وتدخيـن (15) سيجارة يومياً، مـما يجعل الوِحدة المَرضية من أسباب ارتفاع نسبة الوفيات ضمن أفراد الـمجتمع.

وتختصرُ مشاعر الرّفض والهجر والانطوائية والإحباط، أهمّ أعراض الوِحدة المَرضية، التـي تُغذّيها مظاهر البهجة المُزيفة التي تـجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تُعطي انطباعاً برّاقاً عن حياة الآخرين، لا يصوّر بالضرورة حقيقة معاناتهم ومشكلاتهم النفسية والاجتماعية، فمن الـمعروف أنّ كثيـراً من مُستخدمي مواقع مثل فيسبوك وسناب شات وغيره، يبذلون جُهداً مضاعفاً لإظهار أفضل ما لديهم وتحسيـن صورتهم أمام الناس بما لا يـخلو من مُبالغات، ويقتصرون على التواصل الإليكترونـي بعيداً عن التعامل «وجهاً لوجه».

ونتيجة انتشار مُشكلة ومضاعفات الوِحدة المَرَضية، وبخاصة لدى كبار العمر، أعلنت الحكومة البـريطانية في شهر يناير (2018)، تكليف وزيرة بتولّي مسؤولية التعامل مع مشكلة الوِحدة التي يعانـي منها الملايين فـي بريطانيا. ويساعد اعتماد نـمط حياةٍ صحي يتضمّن النوم السليم والرياضة البدنية والـمشاركة العائلية والعمل باعتدال والانخراط في نشاطات جماعية، على مقاومة الـمشاعر السّلبية المُرتبطة بالعزلة الاجتماعية الـمُزعجة.

وفي المُجتمعات العربية، ومع انتشار أنـماط حياةٍ وضغوطات اجتماعية واقتصادية شبيهة بغيـرها في المجتمعات الأخرى، من الضروري الاهتمام بقياس مدى انتشار وأسباب وأعراض الوحدة والعُزلة الاجتماعية القسْرية التي تفتّ في عضد النسيج الاجتماعي، وترفعُ تكاليف الرعاية الصحية نتيجة الإصابة بأمراضٍ يـُمكن الوقاية منها وتجنبها بـمواجهة عواملها وعلاج أسبابـها ومضاعفاتها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store