Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

نقطة سوداء على الثوب الأبيض.. ولكن!

هذا الثوب الأبيض الذي ارتدته مدينة الطائف في مهرجان سوق عكاظ، تزينه الحفلات الغنائية الجميلة، لن تشوهه حادثة صغيرة طارئة يمكن أن تحدث في أي مكان ويتم التعامل معها في نطاقها ولا تحتاج لكل هذا الهرج والمرج الذي يثبت كل يوم أننا نحيل الحبة إلى قبة

A A
لا أريد التوقف كثيرًا عند حادثة الحفل الغنائي لماجد المهندس، مع أنه يستحق الإشادة والتوقف عند هذه النقلة النوعية التي أقدم عليها مهرجان سوق عكاظ، واستحق أن يطلق عليه مهرجان، لتنوع الفعاليات داخل السوق وخارجه، حتى أن بعض الفرق خرجت خارج النطاق المكاني؛ إلى مكة وجدة. تابعت من خلال اليوتيوب ووسائل التواصل لأني كنت خارج المملكة فلم يتسنَّ لي الحضور، حتى لتلبية دعوة حرم قنصل عام جمهورية مصر العربية بجدة الصديقة الرقيقة الدكتورة نيفين درويش، لحضور فعاليات الأوبرا المصرية وفعاليات مصر بصفتها ضيف المهرجان، وكان اختيار مصر والأوبرا المصرية موفقًا جدًا، لارتباط السعوديين بمصر، وبالأوبرا وفرقة الموسيقى العربية، فانتشار الحفلات الغنائية في الجامعات والمولات وعلى مسرح سوق عكاظ أتاح لكل الفئات الاجتماعية متعة المشاهدة والاستماع، كذلك الحفلات الغنائية لكبار الفنانين والفنانات في مدينة الطائف أعاد لها وهج الماضي، الذي عشته في طفولتي وصباي، حيث كان الطائف وجهتنا الصيفية السنوية، من آخر يوم في الاختبارات إلى أول يوم دراسي، كان الطرب والغناء يوميًا في بساتين الطائف، دخولية البستان بمبلغ زهيد إذا وُجدت إحدى الفنانات المعروفات قديمًا، وكان التواصل بين المجتمع قويًا رغم عدم وجود هواتف نقالة أو حتى هواتف في المنازل إلا في بعضها، لكن ينتشر خبر تواجد المطربات في بستان في المثناة مثلاً أو في الهدى، فتجتمع النساء والأطفال في تلك الأجواء الحميمة والنسمات العليلة بين أشجار الرمان والخوخ والمشمش وتحت عرائش العنب. لم نكن نعرف الطفش أو الحاجة إلى الخروج خارج هذه المدينة الجميلة حتى أطلق عليها الطائف المأنوس، لكثرة الأنس والمؤانسة باجتماع كل العائلات مع الأهل والأصدقاء.

كل هذه الذكريات الجميلة لا زالت تنبض في الذاكرة بكل ذلك العبق، لذلك انتابتني مشاعر شتى وأنا أتابع كل هذا الحراك الثقافي والفني في مدينتي الحبيبة الطائف، التي قضيت فيها طفولتي وكل الصيفيات بعد نزوحنا إلى مكة المكرمة لانتظامي في مدرسة الفتاة الأهلية، وبعدها مدرسة عمر عبدالجبار «الزهراء»، كنا نلتقي في بساتين الطائف صدفة مع بعض زميلاتنا في المدرسة، لم يكن لدينا وسيلة تواصل، لذلك كانت فرحتنا مضاعفة لأننا نبدأ في معرفة أين نلتقي ضمن الأسر في الأيام التالية.

كنت حزينة لأن الطائف تخلى عن هذه الصفة «المأنوس» وتخلى عن تلك المساحات الخضراء، البساتين في المثناة، غدير البنات ومنطقة الردف، والبلاد أي المزارع الكبيرة خارج الطائف لا أعلم هل مازالت موجودة أم أنها جفت وجُرفت هي الأخرى.

هذا الثوب الأبيض الذي ارتدته مدينة الطائف في مهرجان سوق عكاظ، تزينه الحفلات الغنائية الجميلة، لن تشوهه حادثة صغيرة طارئة يمكن أن تحدث في أي مكان ويتم التعامل معها في نطاقها ولا تحتاج لكل هذا الهرج والمرج الذي يثبت كل يوم أننا نحيل الحبة إلى قبة، وننظر إلى النقطة السوداء على الثوب الأبيض بمنظار مكبر محاولين تشويه البياض الناصع، لأن ذبابة وقفت قليلاً على جزء من الثوب، عذرًا لا أعني الفتاة التي اقتحمت المسرح وقامت باحتضان ماجد المهندس، لأني متعاطفة معها، ربما انفعلت أو كان تحديًا صبيانيًا بين فتيات يشاهدن فنانًا يغني أمامهن مباشرة -أقصد الحوادث الفردية التي تحدث في مثل هذه الفعاليات- لكن أتصور أن المسؤولية تقع على المنظمين، ولْيُصَلوا شكرًا لأن الحادثة انفعال صبياني، كان يمكن الأمر ألا يكون نزقًا صبيانيًا، بل خطرًا؛ لو أن إرهابيًا اندفع بتلك الصورة على المسرح؟!

السياج البشري في مثل هذه الحفلات والفعاليات ضرورة بحيث لا يسمح للحضور بالتقدم خارج نطاقه خطوة، الارتباك وأثر المباغتة كانا واضحين في التعامل مع الفتاة، متعاطفة مع الفتاة، ومتعاطفة مع النساء في مدينة الطائف الذين اصطفوا طوابير للحصول على تذاكر الحفلات، حدث يستحق بعد أن أغلق التطرف كل باب يفضي إلى البهجة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store