Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

ترمب في عباءة غورباتشوف

رؤية فكرية

A A
في عام 1984م كنت واحدًا ممن شاهدوا أحداث زيارة الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف Mikhail Gorbachev إلى المملكة المتحدة البريطانية، وبعد اجتماع له مع رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك مارغريت تاتشر Margaret hatcher، والمعروفة بكرهها للإمبراطورية السوفيتية وأيديولوجيتها الماركسية، في داون ستريت، واقفة على عتبة مقر الاجتماع لتدلي للصحفيين بانطباعها عن الأمين العام الجديد في روسيا، فقالت نستطيع أن نعمل سويًا بكل سهولة ويسر مع ضيفنا، تعني غورباتشوف. وكان يجلس بجانبي زميل فلسطيني من عرب 1948م، وكان متعاطفًا شيئًا ما مع المنظومة الشيوعية، وأتذكر أني خاطبته بالقول: عزيزي فوّاز هذا أول مسمار يدق في نعش الإمبراطورية السوفيتية. فلقد كان الثنائي رونالد ريغان في البيت الأبيض Ronald Reagan، وتاتشر في داون ستريت على وفاق، بحكم الأيديولوجية الواحدة، على تخليص الشرق الأوروبي من تلك الأيديولوجية التي دعاها ريغان آنذاك بـ»إمبراطورية الشر»، ولم تمض سوى سنوات معدودة امتدت ما بين 1984م، و1989 إلا وما يسمى بـ»جدار برلين» قد هدم بأيدي الشباب المقهور من الحكم الشيوعي، وتمزقت الإمبراطورية في هذه المدة الوجيزة أشلاء ومزعاً، وقد اعترف رئيس الوزراء البريطاني جون ميجر John Major

الذي خلف تاتشر في زعامة الحزب بأنهم -أي الإنجليز وحلفاءهم - مدينون لغورباتشوف في القضاء على المنظومة الشيوعية. ولهذا فإن ما نشاهده اليوم من حوادث تسميم كيميائي لعدد من الشخصيات على الأراضي البريطانية ربما مرده أن بوتين وأنصاره يعتبرون الإنجليز مسؤولين عن التخلص من ثنائية الأقطاب في العالم ما بين الشيوعية والرأسمالية، لتدين السيطرة وفق محصلة التفكيك الذي طال المنظومة الشيوعية إلى الرأسمالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، في وضع جعل العالم تحت سيطرة القطب الواحد.

لقد كان من المألوف أثناء حقبة «الحرب الباردة» أن تميل الأحزاب الاشتراكية، كحزب العمّال البريطاني، الذي أنشئ أصلاً ليصد الأفكار الشيوعية والماركسية بأن يميل نفر من زعمائه ومنظِّريه إلى شيء من الأفكار السائدة في الاتحاد السوفيتي، بل ذهب البعض إلى القول بأن مايكل فوت Michael Foot زعيم حزب المعارضة العمالي عام 1983م كان شيوعيًا؛ حيث صرحت شخصية سوفيتية بأن «فوت» كان رجلنا في بريطانيا مما اضطر الرجل العجوز إلى التقدم إلى المحكمة مشتكيًا من هذه المقولة وصاحبها، وبُرِّئ «فوت» من هذه التهمة؛ لكن الغريب أنه عند وفاة زعيم المعارضة العمالي جون سميث John Smith خرجت بعض وسائل الإعلام البريطاني زاعمة بأن الزعيم العمالي هارولد ويلسون Harold Wilson كان يعمل كعين للاتحاد السوفيتي في بريطانيا، وكان ويلسون قد رحل، وحدثت ضجة في الوسط السياسي البريطاني، وبالتالي فإن الأحزاب اليمينية في الغرب، وفي مقدمتها جمهوريو الولايات المتحدة الأمريكية لا يتفقون مع المنظومة السابقة واللاحقة للاتحاد السوفيتي، وكانت قدرة فلاديمير بوتين Vladimir Putin الذي يسعى لإعادة الضوء إلى الإمبراطورية المنهارة أن يجذب أنظار الرجل القابع في البيت الأبيض دونالد ترمب Donald Trump، الذي يكثر من انتقاده للاتحاد الأوروبي وحلف النيتو؛ بل قال في زيارته الأخيرة لبريطانيا، مخاطبًا رئيسة الوزراء تيريزا ماي Theresa May بأن الاتحاد الأوروبي يجب مقاضاته من البريطانيين لا التفاوض معه، ولكن «ماي» تفضّل أسلوب التفاوض لأنها تسعى لخروج سلس من منظومة الاتحاد الأوروبي بينما وزير خارجيتها استقال على خلفية الطريقة التي تتعامل بها ماي مع الاتحاد الأوروبي. وكان توجه وزير الخارجية المستقيل بوريس جنسون Boris Johnson أنه مع خروج خشن وانقطاع تام مع المنظومة الأوروبية، الأمر الذي اعتبره ترمب منهجًا وسلوكًا إيجابيًا، مصرّحًا بأنه يستحق -أي جنسون- أن يكون هو رئيس الوزراء. ولهذا يبقى السؤال مشروعًا: هل نحن أمام حقبة تشبه حقبة غورباتشوف؟ فكما كان الأخير معجبًا آنذاك بالحياة البريطانية الديمقراطية والبرلمانية فإن دونالد ترمب ينزع إلى كثير من الإعجاب بالقيادة السوفيتية، ولهذا فإنه لم يناقش معه في استطالة مواضيع مثل الاحتلال السوفيتي لجزيرة القرم، بل اكتفى بالملفات التي يؤمن عليها بوتين، ويحدث نفسه بالقول: «بيد الجمهوريين لا سواهم سأحقق مآربي وتطلعاتي السياسية».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store