Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

الحشيش والمزاج السياسي العام في لبنان!

إضاءة

A A
لا أدري على وجه الدقة ما الذي ستسفر عنه جلسات مجلس النواب اللبناني الخاصة بتقنين زراعة (الحشيش) للأغراض الطبية في محاولة لتعزيز الاقتصاد المتعثر. وبعيدًا عن الربط بين ما نقلته صحيفة (جارديان) البريطانية بين الحشيش والخطة الاقتصادية، التى تحضرها شركة (ماكينزى) الأمريكية للبنان، وبعيدًا عن المزاج العام الذي عبرت عنه النائبة بولا يعقوبيان وهي ترسل التحية لكل كتلة نيابية ستصوت لصالح الحشيش «طبيا»، أقول إن لي مع حشيش لبنان قصة موثقة ومنشورة، كانت حديث المجتمع العربي في التسعينيات!

والحاصل أن أسرة لبنانية محافظة وكريمة دعتني لوجبة غداء في مزارع بعلبك، وتحديدًا أسفل القلعة التاريخية العريقة التي غنت من فوقها كوكب الشرق أم كلثوم، وصدحت منها السيدة فيروز، وكان مرافقي السياسي والصحفي المخضرم، يروي لي بحماس عن تاريخ القلعة، وتاريخ المنطقة، فيما تفوح رائحة الشواء مختلطة بعبق جميل في الحقول الممتدة على طول النظر، قبل أن أكتشف أنني أجلس في مزرعة أو حقل حشيش!

كانت حبات اللوز تتساقط علينا ونحن نأكل الأرغفة المملوءة باللحم الضأن ونحتسى أكوابًا من الشاي، بعد مشوار مرهق قطعته صوب منطقة العرقوب لأرصد من هناك مجموعات من يهود الفلاشا الذين جاءوا أو جيء بهم للاستيطان في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة! ورغم انشغالي بالتحضير للقاء رئيس الحكومة سليم الحص، فقد جاءت مفاجأة جلوسي في مزرعة حشيش، أكثر إثارة وجاذبية، خاصة أن صاحب المزرعة، أقام الصلاة لنلحق بالعصر قبل حلول المغرب!

كنت أعلم بحكم القراءة، ومشاهدة أفلام السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، أن الحصول على قطعة حشيش مجازفة غير محمودة العواقب، وأن الطريق إلى المروجين خطر للغاية، وللتجار.. تجار الحشيش أشبه بالانتحار! ربما كان ذلك وراء مقدمة صحفية تاريخية، كتبتها في صحيفتي «المسلمون» ونوهت عنها «الشرق الأوسط» وفيها قلت: «لم أركب الصعب، ولم تحاصرنى المافيا، ولم يهددنى أحد.. لم أذهب متخفيًا، ولم أجازف بحياتي، ولم أشعر بأدنى قلق أو توتر! كانت هذه المهمة من أسهل المهمات الصحفية التى قمت بها. أنا في مزارع الحشيش!».

روى لي «أبو ناصر» تاريخ زراعة الحشيش في لبنان، وكيف كان وادى «البقاع» يشتهر بأنه منطقة لزراعة الحبوب خاصة القمح، حتى اشتهر بأنه «جنة الشرق» وبعد استقلال لبنان كان لغياب العدالة في مجال تنمية المناطق اللبنانية آثار سيئة، وبعد أن سيطرت الميليشيات على الواقع السياسى في فترة من الفترات، فقد استبدلت زراعة حشيشة الكيف بزراعة الأفيون التي تحقق أرباحًا أكبر وأسرع.. وهكذا انتقلت المنطقة من زراعة الحشيش إلى زراعة الأفيون، بل وبدأت تعرف التصنيع على أيدي المزارعين أنفسهم ثم يتولى مسؤولو الميليشيات عملية ترويجه وتصديره إلى الدول العربية!

في تلك الأثناء، أجرى صحفي لبناني حوارًا مع مسؤول من الميليشيات يتولى حماية أمن مطار بيروت الدولي: «يقال إن عمليات تهريب واسعة للمخدرات تتم من خلال مطار بيروت الدولي وأنك تدري بها فهل هذا صحيح؟! فضحك المسؤول، قائلا: هذا صحيح! وهل تريدوننا اليوم ونحن في أجواء الحرب أن نصدر التفاح؟!» والغريب أن المقابلة نشرت في الصحف تحت عنوان: «وهل تريدوننا أن نصدر التفاح بدلًا من المخدرات؟!».

لقد دفعتني سهولة المسألة في مشوار الحشيش لأن أسأل: وماذا عن الأفيون؟ وجاءت المفاجأة: يمكنك المجيء معنا إلى رحلة ولسوف ترى! والواقع أن ما رأيته من خلف ثقب النافذة كان صادمًا!..

كانت الغرفة مغطاة تمامًا بالقماش الأبيض، يبدو أنه من الحرير والفتيات الصغيرات أراهن وقد وضعن على أنوفهن قطعًا من القماش، ثم يضربن أوراق الخشخاش بالعصي! شيئًا فشيئًا بدأ الغبار يتصاعد في الغرفة ويعلق على الأقمشة البيضاء والحريرية! استمرت عملية الضرب لأكثر من ساعتين والفتيات ممسكات بقطع القماش الموضوعة على أنوفهن ومستمرات في الضرب بالعصي حتى طرق قائد المجموعة على الباب بيده ثلاث مرات!

تذكرت تلك المشاهد، وأنا أقرأ التصريح الصادر عن السيد نبيه بري رئيس مجلس النواب بالسفيرة الأمريكية في بيروت وجاء فيه إن «المجلس النيابي اللبناني بصدد التحضير لدرس وإقرار التشريعات اللازمة لتشريع زراعة الحشيش (القنب) وتصنيعها للاستعمالات الطبية، على غرار العديد من الدول الأوربية وبعض الولايات الأمريكية».. وقلت سبحان مغير الأحوال.. سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأفيونيًا!

أخشى والحال كذلك، أن يشتد صراع مافيا المخدرات من جهة، ومافيا الدواء من جهة أخرى، فتسقط الغاية الجديدة والمشروعة للقرار الذي مازال مشروعا، في أمور لن تكون أبدا مشروعة، في بلد فتي عربي يستعصي عبر تاريخه الطويل على السقوط، مهما كانت الظروف! أخشى كذلك على مزاج لبنان العام من تدخل إسرائيلي جديد على ساحة الحشيش!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store