Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

فرماجو..أفورقي..أبا أحمد: لا تخذلوا شعوبكم!

أنا أكثر الفرحين بتلك المظاهر الشعبية، شريطة أن ينصت القادة لأصوات الشعوب المحبة للسلام القائم على العدل والاحترام.. وللتنمية الحقيقية القائمة على القيم الوطنية دون تفريط.. وألا يكون الحب المفاجئ، والتعاون الجديد، والصفح الجميل، والتنازل العفوي بالأمر.. إلا إذا كان أمر الشعب!

A A
لا يعقل أن يكون الرئيس الأرتيري أسياس أفورقي حلم أثناء نومه بوصول الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو الى أسمرة، فهبَّ واقفاً في الصباح متصلاً به ليدعوه لفتح صفحة جديدة في العلاقات، بعد قطيعة استمرت خمس عشرة سنة. وفي المقابل لا يعقل أن يكون الرئيس فرماجو كان عند الاتصال مرتدياً بزته الداكنة ليأمر بتحرك الطائرة فوراً استجابة للدعوة الكريمة!

في المقابل وللحق، فإن الزيارة الطارئة أو النادرة أو المفاجئة لو أنها سبقت موعدها بشهر لقيل أن فرماجو يستعدي عن عمد نظيره أبا أحمد بل الشعب الأثيوبي كله خاصة الجيش الذي صنع ما صنعه الحداد!

ومهما يكن من أمر.. أمر الرئيس الذي دعا والرئيس الذي لبّى، ومهما كان حجم الدافع أو الوسيط، فإن خريطة جديدة يجري إعدادها في القرن الأفريقي أو للقرن الأفريقي الآن! ومن الواضح أنها تجري بسرعة القطار أو الرئيس الصيني الذي يجوب افريقيا كلها بحثاً عن مصلحة بلده أو أمته!.. بمناسبة أمته: هل أصبح مصطلح «أمة» داخلاً في مصطلحات التطرف والإرهاب؟!.

أعود فأقول، إن الخريطة التي أعنيها هنا، هي خريطة للنفوس الإفريقية الجديدة بعقولها وطموحاتها.. بثباتها وحبها لأوطانها.. إنها خرائط التعبير عن آمال الشعوب وتطلعاتها، رافضة الحروب الوهمية، وما تسببه من فقر وكوارث ودمار ورثاثة حال!. وهنا تسطع الأسئلة الكاوية: هل كانت الحروب بالفعل دفاعاً عن تراب الوطن؟ إذا كان الحال كذلك، فهل تغير التراب، أم عاد؟!.

هذا التراب الذي كم وصفوه بالمقدس الذي راحت من أجله أرواح أكثر من أن تعد، هاهو الآن يتسرب أو يتبعثر بسهولة، بل برضا ورحابة صدر للطرف الآخر، الذي كان عدواً يستهدف الشعب!! فإن لم تكن منطقة أو قطعة أرض متنازع عليها، فمنفذ بري أو بحري!

الآن، كشاهد حقيقي على العصر، وكالجمل الذي اختزن ماء المعرفة وعشب الحقائق الموثقة، ترن في أذني صلصلة أغانٍ، وأناشيد مدوية، ونداءات مرعبة، وهتافات هادرة للزعيم المظفر الذي وهب حياته وحياة جنوده للذود عن تراب الوطن!وأجدني أتساءل: هل كانت الحملات العسكرية الباسلة، والكمائن الأمنية الناجحة، والأغاني الوطنية الصادحة، تغطية على عسف المظالم، وسياط الظلم، وفقدان العدل، وغياب القانون، وكتم الأنفاس، وسرقة المال العام؟.

كانت المدن التي رأيتها أو أراها لي السادة الكبار مساء تختلف عن تلك التي ألمحها من داخل السيارة الفارهة التي تنطلق بي صوب القصر الجمهوري!.. قصور فاخرة، وصالات ضخمة وقاعات في غاية الأبهة.. موائد عامرة باللحوم والطيور، وأطباق من الحلوى والفاكهة.. وفي الظهيرة إن أمكنني الإفلات للتجول في الشوارع والحارات.. بيوت متهدمة، ووجوه حزينة، وأيادٍ ممدودة!

أتخيل نفسي الآن في ميدان عام من ميادين مقديشيو أو أديس أبابا، أو أسمرة.. وقد قامت القيامة، ونهض ضحايا الحروب التي أشعلتها إمبراطوريات الشر المتعاقبة! كيف سيواجه اللص من سرقه.. والقاتل من قتله.. والسجان من سجنه ظلماً وعدواناً.. والجلاد من جلده! كيف سيكون نوع الموسيقى والأناشيد التي سيسمعها السادة الطغاة؟.. يقيناً سيسمعون أناتِ وصرخات أؤلئك الذين استذلوا وماتوا بدعوى الدفاع عن تراب أوطانهم!.

أتحدث عن الخريطة البديلة لخريطة إمبراطورية الظلم التي لم تغب عنها الشمس بالفعل حتى الآن وما الذي فعلته بهذه الأوطان؟ قطعة من أرض الصومال في حوزة أثيوبيا، وقطعة من أثيوبيا أو أرتيريا يتنازع عليها الطرفان، ونتوءات أو كيانات منفصلة أو متصلة، تطالب بالانفصال التام أو الموت الزؤام، وبلدان تتنازل عن الكثير والكثير من كبريائها وتاريخها خوفاً من الطوفان.. طوفان إمبراطورية الشر التي لا تكف عن دعم هذه القوات، وتلك النزعات، ثم تأتي أو ترسل مندوبيها لفض النزاعات!.

لقد حظي فرماجو، باستقبال شعبي ورسمي حافل، في شوارع أسمرا، تماماً كما تم استقبال أبي أحمد في نفس المكان، وكما تم استقبال أفورقي في أديس أبابا.. عفواً عفواً.. لا تذهبوا بعيداً.. أنا أكثر الفرحين بتلك المظاهر الشعبية، شريطة أن ينصت القادة لأصوات الشعوب المحبة للسلام القائم على العدل والاحترام.. وللتنمية الحقيقية القائمة على القيم الوطنية دون تفريط.. وألا يكون الحب المفاجئ، والتعاون الجديد، والصفح الجميل، والتنازل العفوي بالأمر.. إلا إذا كان أمر الشعب!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store