Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عبدالمنعم مصطفى

عالم مرتبك!!

في إدارته للأزمة مع إيران، فاجأ ترامب الجميع مرتين: الأولى بإعلان انسحاب بلاده من الاتفاق النووي (٥+١)، والثانية بإعلان استعداده لعقد قمة مع قادة إيران، دون شروط مسبقة، على غرار قمته الأخيرة في سنغافورة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج اون.

A A
المشهد الدولي مرتبك، الناتو يواجه لأول مرة، ضغوطاً مؤثرة من داخله، تركية أحياناً، وأمريكية في أغلب الأحيان.

الاتحاد الأوروبي يواجه ضغوطاً من داخله، بلغت ذروتها مع (بريكست) بخروج بريطانيا من الاتحاد، بينما استهلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فترته الرئاسية الأولى، بجملة انسحابات أمريكية من تجمعات بعضها دولي مثل (إيبك) وبعضها إقليمي مثل (نافتا) وبعضها نوعي مثل اتفاقية المناخ، ومجلس حقوق الإنسان، ومنظمة اليونسكو.

موجة الانسحابات الأمريكية، قد يراها البعض مؤشراً على نهاية باتت وشيكة، لنظام دولي انفردت واشنطن بزعامته، أنتجته مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة باختفاء الاتحاد السوفييتي، لكن البعض الآخر وفيه ترامب ذاته، قد يراها عملية تستهدف إعادة توزيع الأعباء (المالية بصفة خاصة) مع احتفاظ واشنطن بزعامة أقل كلفة وأعلى ربحية.

ارتباك المشهد الدولي، أنتج بدوره في علاقات الدول، مزاج صراع لا تنافسًا، كما أفرز أيضاً ميلاً للشخصنة، في عصر تراجعت فيه كاريزما الزعامة، تحت وطأة تطور ساحق لتقنيات الاتصال.

نصيب الشرق الأوسط من نتائج ارتباك المشهد الدولي، قد يكون الأكبر على الإطلاق، فالمنطقة هي مسرح العمليات أو المختبر الذي تجري فوق أرضه صراعات مسلحة، ونزاعات توفرت لها عوامل الاستدامة. نتائج الصراعات في المنطقة قد تكون حاسمة في تقرير شكل النظام الدولي الجديد الذي تتطلع موسكو وبكين بصفة خاصة إلى جعله نظام متعدد الرؤوس، بينما يتطلع الرئيس الأمريكي ترامب إلى زعامة أمريكية مستدامة للعالم، بأعباء أقل، وبأرباح أكثر.

أحد أهم مقومات الزعامة الأمريكية للنظام الدولي، هو التزام أمريكي مزمن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بضمان أمن الطاقة، وأمن أوروبا، وأمن الشرق الأقصى (اليابان وكوريا الجنوبية بصفة خاصة).

تتزعزع زعامة أمريكا للنظام الدولي، إذا تزعزع التزامها الأمني تجاه الطاقة، والغرب، والشرق الأقصى.

ما يقوله ترامب من أن على حلفاء الولايات المتحدة أن يدفعوا ثمن حماية أمريكا لهم، لا يعني أن واشنطن سوف تتخلى عن حلفائها ما لم يدفعوا ثمناً مقبولاً، وإنما يحاول الرجل بلغة البيزنس وبمنطق التاجر أن يحصل على أرباح أكثر بنفقات أقل، لكن هذا المبدأ الذي يبدو حاكماً لسلوك ادارة ترامب، قد يعني ضمن ما يعني أن أهم حلفاء أمريكا في أوروبا، قد يضطرون بدورهم إلى إجراء مراجعات في العمق لسبل ادارة العلاقة مع واشنطن، يراجعون معها إستراتيجيتهم الأمنية بالكامل.

في إدارته للأزمة مع إيران، فاجأ ترامب الجميع مرتين، الأولى بإعلان انسحاب بلاده من الاتفاق النووي (٥+١)، والثانية بإعلان استعداده لعقد قمة مع قادة ايران، دون شروط مسبقة، على غرار قمته الأخيرة في سنغافورة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج اون.

قادة طهران، التقطوا طرف الخيط الأمريكي ثم سارعوا إلى وضع شروطهم لعقد اللقاء، أول هذه الشروط، هو أن تعود أمريكا الى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه اولاً، وهو شرط يجعل اللقاء مستحيلاً. تهديدات ترامب الجدية بمعاقبة الشركات الأوروبية التي لن تتجاوب مع عقوبات واشنطن لطهران، قد تسهم في تشديد الضغوط على طهران، لكنها أيضًا سوف تشكل ضغطاً على حلفاء واشنطن الأوروبيين، الذين واصلوا التزامهم -بما فيهم بريطانيا- بالاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا.

أحد العناصر الحاسمة في مصير ما أنتجته رئاسة ترامب من تحولات في استراتجية واشنطن تجاه العالم -وبعضها جذري- يظل مرهوناً بالداخل الأمريكي، ومعلقاً بنتائج الانتخابات النصفية للكونجرس في نوفمبر المقبل. فاستعادة الديموقراطيين للأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، قد تحرم ترامب على الأقل من فرصة خوض الانتخابات الرئاسية لفترة ثانية.

نتائج معركة ترامب مع خصومه في الداخل حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية التي حملته إلى البيت الأبيض، سوف تؤثر بالضرورة، على سياسات الرجل تجاه الخارج، لكن أمريكا التي تنسحب بالجملة من مؤسسات ما قبل ترامب، لن تعود بالجملة الى ذات المؤسسات، إذا ما غادر ترامب البيت الأبيض.

رغم كل شيء يبقى ترامب معبرًا عن تحول في المزاج الأمريكي قاده إلى الفوز بالرئاسة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store